محمد حلواني
تمتلك السينما قاعدة جماهيرية واسعة، بفضل تأثيرها الكبير في المتلقي، على مستوى الصوت والصورة؛ لذلك سُميت الفن السابع، الذي أنجب على مدار التاريخ عظماء عرفهم الجمهور من خلال أعمال لا تزال خالدة في الأذهان.
ولكي يكتمل العمل السينمائي، فهو بحاجة إلى تناسق كافة عناصره، بدءًا من المؤلف والسيناريو والحوار إلى الممثلين والمخرج والمنتج، مرورًا بمواقع التصوير والكاميرات والموسيقى التصويرية والطاقم المتكامل من الموظفين المساعدين.
وبفضل توافر تلك العناصر بدرجات عالية، فإن السينما الأميركية تبقى أقوى السينمات تأثيرًا على مستوى العالم، إذ تضم أقوى الأعمال الفنية وأفضل المنتجين والممثلين والمخرجين، على غرار: «ستيفن سبلبيرج»، و«مارتن سكورسيزي»، و«ردلي سكوت»، والممثلين: «أل باتشينو»، و«روبرت دينيرو»، و«مارلون براندو»، و«كلينت إيستوود».
وسط هذه الكوكبة الفنية، يأتي أفضل من مثَّل الفن العربي عالميًا وأثبت وجوده بين كبار وعمالقة الممثلين وهو الفنان المصري «عمر الشريف»، واسمه الحقيقي «ميشيل ديميتري» شلهوب من مواليد الإسكندرية، في العاشر من أبريل عام 1932م.
كانت بداية «عمر الشريف» الفنية في فيلم «صراع في الوادي»، حينما نال دور البطولة أمام الممثلة «فاتن حمامة»، وبعد نجاح هذا الفيلم نقديًا وجماهيريًا في شباك التذاكر شكَّلا ثنائيًا من أجمل الثنائيات في السينما العربية. كما كان هذا الفيلم سببًا في زواجهما، حينما التقى بها أول مرة وجهًا لوجه، وكذلك بمثابة باب الدخول رسميًا في عالم السينما.
توالت بعد ذلك عدة أعمال فنية جمعت «عمر الشريف» و«فاتن حمامة» وممثلين آخرين، إلى أن جاءت لحظة اختياره من قبل المخرج العالمي «ديفيد لين» الذي قدَّمه في عدة أفلام من ضمنها فيلم «لورنس العرب»، الذي أتقن فيه الدور بكل احترافية، وتقمص الشخصية بطريقة عجيبة، وكان بوابة دخوله الكبرى إلى عالم هوليوود السينمائي.
يوجد في رصيد «عمر الشريف» الفني العديد من الأفلام القوية على غرار: «دكتور زيفاجو»، و«الفتاة المرحة»، و«السيد إبراهيم»، حيث حققت بعض الأفلام عائدًا تجاريًا قويًا والبعض الآخر نال استحسان النقاد السينمائيين دون تحقيق عائد تجاري قوي.
وتبقى بعض هذه الأعمال مثل «لورنس العرب» ضمن أفضل الأعمال سينمائيًا على مستوى العالم، التي شارك فيها «عمر الشريف»، ويصعب لأيٍّ تكرارها من ممثل عربي آخر على الرغم من عدة تجارب بسيطة لبعض الممثلين العرب داخل هوليوود.
بعد سطوع نجمه القوي تلقى «الشريف» عدة أعمال من دول مختلفة، من خارج الولايات المتحدة الأميركية مثل: فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، واليابان، بفضل إتقانه عدة لغات مثل: الفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، واليابانية، والإنجليزية، إضافةً إلى لغته الأم العربية.
تميزت أدوار «عمر الشريف» في أفلامه الأجنبية بشخصية الرجل الهادئ والرومانسي، ويرجع ذلك إلى جماله وملامح وجهه الهادئة، بينما في أفلامه العربية تميز بأدواره الجادة والكلاسيكية؛ إضافة إلى إتقانه الرقص والغناء بجانب التمثيل، وهو ما جعل منه فنانًا شاملاً ومتعدد المواهب.
حصل «عمر الشريف» على عدة جوائز سينمائية خلال مسيرته الفنية، منها جائزة «الغولدن غلوب»، ثلاث مرات، والتي تُمنح من رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية، وجائزة «سيزار الفرنسية». كما ترشح لجائزة الأوسكار الأميركية عن فئة أفضل ممثل مساعد، وتعتبر الجائزة الأرفع سينمائيًا على مستوى العالم، وتُمنح من قبل أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة.
بسبب نشاطه الفني وكثرة أعماله قضى «عمر الشريف» حياته متنقلاً بين عدة دول شرقًا وغربًا، وكان يحب الإقامة في الفنادق لإحساسه الدائم بالوحدة، أدى ذلك إلى انفصاله عن زوجته الممثلة «فاتن حمامة»، ولكنه لم ينسها أبدًا، وظل يتذكرها دائمًا، ولم يتزوج امرأة ثانية بعدها، وصرح بذلك كثيرًا في عدة لقاءات تلفزيونية، حيث عبر عن ندمه الشديد في التفريط بحياته الزوجية والانفصال عن «فاتن حمامة»، لأنه كان يتمنى إنجاب أطفال كثيرين وإنشاء عائلة كبيرة.
قبل وفاته أصيب بمرض الزهايمر، وكان يتذكر فقط زوجته الأولى والوحيدة في حياته، إلى أن توفي بالقاهرة يوم 10 يوليو سنة 2015، إثر نوبة قلبية حادة عن عمر ناهز ثلاثة وثمانين عامًا، وبذلك انتهت مسيرة وحياة أفضل الممثلين العرب الذين تركوا بصمة عربيًا وعالميًا في الفن السابع.