عبدالله الأسمري
سلسلة «ولاد رزق» منذ الجزء الأول عام 2015 حققت طفرة للسينما المصرية في نوعية أفلام الأكشن والمطاردات، وقدَّم صناع السلسلة فيلمًا احترافيًا يحمل جميع عناصر التسلية من نكات، ومشاهد حركة، وتقلبات مثيرة في الحبكة ترفع من مستوى التوقعات والترقب حتى شارة النهاية دون ملل أو غفلة عن الشاشة وما يدور فيها، وأيضًا مع التركيز على الجانب الفني الجيد، بل الذي يرتقي للممتاز في فئته. ثم صدر الجزء الثاني عام 2019 تحت مسمى «عودة أسود الأرض»، وجاء بترقب عالٍ جدًا، وبارتفاع سقف التوقعات لدى جمهور السلسلة الذي لم يخذلهم الجزء الثاني بجودته على الرغم من أنه الأضعف في الثلاثية، ولكن ما أكسبه هذا النجاح هو أنه استمد نفس روح الجزء السابق وبتطورات بسيطة في الأسلوب الإخراجي لطارق العريان، وحصد بذلك الفيلم إيرادًا أعلى من سابقه، وتصدر شباك التذاكر المصري في وقته؛ جميع تلك الأسباب وأكثر أدَّت إلى ظهور الجزء الثالث من «ولاد رزق».
فيلم القاضية هو الأميز
لم يلجأ الفيلم لبداية كلاسيكية، وتمهيد لأحداثه، وشخصياته التي تغيب عنها شخصيتان مهمتان في الجزأين السابقين، وهما الأخ الثالث لولاد رزق رجب «أحمد الفيشاوي» الذي تبين لنا أنه قد سُجن بقضية مخدرات، وأيضًا التابع الوفي لولاد رزق عاطف «أحمد داود»، ولكن الكاتب صلاح الجهيني استثمر تعلق الجمهور بالسلسلة، وفهمهم لتركيبة ولاد رزق وما حولهم من تحديات دائمة، وانطلق بنا سريعًا لمشهد حركة مثير ترك بصمة واضحة تدل على أن الجزء الثالث القاضية هو الأميز فعلًا. ثم تبدأ طريقة السلسلة في عرضها للأحداث من خلال حوار بين شخصيتين يتضمن عدة مشاهد من الماضي تفسر وتحكي القصة التي اعتمدت على عملية سرقة واحدة بعكس الجزأين السابقين، وهذا ما جعل الفيلم أكثر ترابطًا واتزانًا من سابقه.
خلطة ولاد رزق الممتعة
المتابع الجيد للسلسلة قبل دخوله للجزء الثالث يعرف جيدًا كيف تسير الأمور في عين الصيرة، كالنكات التي تتضمن إيحاءات جنسية صريحة، ومشاهد الحركة المميزة، والمطاردات التي لا مثيل لها في السينما المصرية. وأهم من ذلك، أنه يعرف تركيب الشخصيات، وطرق تفاعلهم مع مسار الحبكة الذي سرعان ما يتبدل مع انتقال منظور الراوي من شخصية لأخرى ضمن مشاهد سريعة من عملية قاموا بها داخل محادثة أوسع تدور بين أحد الإخوة الأربعة والشرير في الفيلم. وهذا ما حصل فعلًا، فلم يعمد صناع الفيلم للتخلي عن هذه الخلطة أو التطوير فيها، بل كرروها كما هي. وأنا أرى أنها أدت نتائجها ولم أشعر بالملل بسبب التكرار الذي كان يمكن أن يصيبني لو أخذنا الصناع برحلة نتوقع ختامها، فطوال الفيلم ومع كل خيط يتكشف كانت الإثارة والمتعة في حالة تزايد مستمر.
وطبعًا كان هناك مآخذ على الفيلم، من أهمها الغياب التام للأدوار النسائية، وتحديدًا دور حنان «نسرين أمين» الذي كان من أهم نقاط قوة الجزء الأول، وأيضًا مسار قصة ربيع «عمرو يوسف» مع خطيبته سمر «أسماء جلال» لم يُضف أي تقدم في القصة. ولكني أرى أنه مسار سيُبنى عليه في قادم أجزاء السلسلة.
القاضية من عين الصيرة للبوليفارد
أتى الجزء الثالث لـ«ولاد رزق» بإنتاج مشترك سعودي متمثلًا في هيئة الترفيه، ومصري متمثلًا بشركةRAW Entertainment بالتعاون مع Synergy Films مما أتاح فرصة للخروج بصورة رائعة، ومواقع تصوير مختلفة ومتنوعة ما بين القاهرة والرياض، وتحديدًا سأتحدث هنا عن الرياض، فغالبية مشاهد الأكشن والمطاردات صُوِّرت فيها، وأبرزت شوارعها ومعالمها، وطبعًا تم التسويق لموسم الرياض ولكن بشكل مقبول داخل حبكة الفيلم، وهذا ما أوضحه معالي المستشار تركي آل الشيخ أن هيئة الترفيه شاركت بثمانية ملايين دولار من أصل اثني عشر مليونًا من ميزانية الفيلم، فهل هذا الاستثمار في السلسلة مُجدٍ لهيئة الترفيه وموسم الرياض؟ في إجابة سريعة ومختصرة، نعم. هذا الاستثمار أراه مجديًا جدًا، فما زالت عوالم صلاح الجهيني داخل السلسلة تحتمل المزيد من الأجزاء لـ«ولاد رزق»، وأيضًا هناك فرصة سانحة لظهور أفلام منفصلة لشخصيات رئيسية في السلسلة كالشايب وصقر.