عبدالله الأسمري
منذ أن شاهدت فيلم المخرجة آيتن أمين الأول «فيلا 69» وأنا معجب للغاية برؤيتها الإخراجية التي تتميز بعدة سمات رافقت جميع أعمالها تقريبًا، كالمكان الذي تجعله آيتن جزءًا ملازمًا لجميع قصصها الذي يأخذ فيها دورًا بطوليًا لا يقل أبدًا عن بطولة خالد أبو النجا بدور «حسين» في فيلم «فيلا 69»، الفيلم الذي سُمِّي على اسم مكان سكنه الكئيب والخالي من أي حياة، حتى يُقتحم منزله من قبل أخته وحفيدها فنشاهد تغيرًا في شخصية حسين لازمه تغير لشكل وروح الفيلا. العامل الثاني هو الحكايات اليومية البسيطة التي تستعرض فيها مواقف وأزمات الشخصيات، فنتعاطف معهم ونضحك على نكاتهم ونشعر أننا جزءًا مما نشاهده على الشاشة، بل ونملك شقة بجانب لمياء «دلال عبدالعزيز» في مسلسل «سابع جار» الذي عُرض في رمضان من عام 2017 ولاقى إعجابًا كبيرًا لدى الجمهور. العامل الثالث هو الشخصيات النسائية المميزة اللواتي يتسمن بصفات تجعلهن أبطالًا في عالمهن، فهنَّ شخصيات مميزة فعلًا ولديهن جوانب جوهرية في شخصياتهن تجعلهن أصدق على الشاشة ويتفاعلن مع الأحداث بطرق أكثر إنسانية. وفي فيلم «آل شنب» أحدث أفلامها وتجربتها الروائية الثالثة، لم تتخلَّ آيتن عن هذه السمات التي وظفتها داخل قصة لا بد أنك مررت بها يومًا.
فيلمنا يحكي عن عائلة مكونة من أربع أخوات بأولادهن وأحفادهن يذهبن لدفن وعزاء أخيهم حسين «بيومي فؤاد» أمين سر العائلة والشخص الذي يحتوي الجميع ويساعد على إبقاء حالة من الود حتى ولو بطرق غير أخلاقية كالكذب. وهذا شخص رغم أننا لم نسمع إلا صوته ولم نشاهد إلا صورة عرضه على الواتساب، كان هو صاحب المشاهد الأكثر اتزانًا وثباتًا طوال أحداث الفيلم، ربَّما لأنه بدأ الفيلم ميتًا.
وبالرجوع مرة أخرى لاستعراض سمات سينما آيتن أمين التي ذكرتها في بداية المقال، نجد أن المكان في فيلم «آل شنب» هو بيت العائلة بالإسكندرية الذي تركته الأخوات للعيش في القاهرة ولزمه حسين، وهنا المكان هو مجرد موقع تدور فيه الأحداث دون إظهار جوانب مثيرة منه بالرغم من التلميح إليها في عدة مشاهد، والأحداث لم تكن الأميز بالتأكيد وهي النقطة الأضعف في الفيلم الذي يحمل تخبطات كبيرة للغاية في جميع خطوطه الدرامية، ولم يترك لنا مجالًا لنشاهد حدثًا يبدأ وينتصف ثم ينتهي بطريقة مفهومة؛ فالأحداث كانت تظهر فجأة على الشاشة، تقدِّم مشهدًا مبتورًا وتنتهي سريعًا، ليبدأ مشهد مبتور آخر حتى آخر الفيلم. الشخصيات كانت العلامة الفارقة فعلاً، ولولا أن الشخصيات كانت مكتوبة بشكل جيد لما كنت أتوقع أنني أستطيع أن أكمل الفيلم، فهي الشيء الوحيد الذي يجعلك تلزم كرسيك وتشاهد الفيلم لآخره. فعندما تجتمع العائلة نشاهد كيف تتفاعل الأخوات الأربعة مع بعضهن بأيديولوجيات وقناعات مختلفة اكتسبنها من معايشتهن لثقافات مختلفة داخل القاهرة المزدحمة؛ فنيللي «ليلى علوي» صاحبة الشخصية المتسلطة التي تترجم مشاعرها لتصرفات صارمة، ولكنها تحمل بداخلها روحًا مرحة تكسب بها ود الآخرين. النقيض تمامًا لنيللي هي ندى «هيدي كرم» ذات الشخصية المتخبطة والساذجة التي انعكست على ابنها عبدالرحمن الذي لازم نفس سمات أمه، إضافة الى حساسيته من الجمبري التي تعرفنا عليها في مشهد كان هو الأفضل في الفيلم في نظري. كذلك نبيلة «سوسن بدر» شخصية ملتزمة ومحافظة ودائمًا ما تكون طرفًا لوزن الأمور وإرجاعها لمنطقة الراحة والهدوء مرة أخرى. وغيرهن شخصيات أخرى كتبت بشكل جيد وبسيط وكانت تحمل مواقع من الممكن أن تصبح أكثر عمقًا؛ لتضيف أبعادًا أخرى للقصة المهترئة التي للأسف لم تخدم الفيلم أبدًا.
صرحت المخرجة آيتن أمين منذ فترة عن أن هذا الفيلم يعتبر فيلمًا تجاريًا تقترب به للجمهور بعد نجاحها في المهرجانات بفيلميها السابقين «فيلا 69» و«سعاد»، ولكني أرى أنها أصيبت بتخبط كبير بسبب هذا الهدف الذي خرج من صالة السينما، وأنا أشاهد الفيلم، نصف الحضور تقريبًا.
وأستطيع أن أفسر هذا التخبط في أنها جعلت كل شيء يميزها في فيلميها السابقين حاضرًا، ولكن بأضعف حالاته؛ فلم يكن هناك مشاهد تبقى عالقة في ذهنك، ولا مكان يحكي قصة تتبعها طوال أحداث الفيلم. وربَّما نستطيع أن نقول إنها نجحت في خلق شخصيات جيدة لها سمات إنسانية مشتركة تقودهم لهدف واحد بطرق مختلفة، ولكنها أضاعتها للأسف بقصة لا تفهم منها شيئًا. صحيح أنها تخرجك بابتسامة بسبب الأجواء العائلية اللطيفة ووجود أداءات تمثيلية ممتازة، ولكن تخرجك أيضًا بعلامات استفهام أكبر تجعلك تنسى هذه المتعة اللحظية وتتذكر سؤالًا هو الأهم: ماذا حدث داخل الفيلم؟ نحن بدأنا مثلما انتهينا تمامًا لم يحصل إلا تغير واحد فقط لخط نيللي وابنتها ليلى، وهذا التغيير صاحبه تخبطات تجعلك تتمنى لو استغللت هذه الشخصيات والقدرات التمثيلية بقصة أفضل بعيدًا عن الهدف التجاري الذي أرق صانعيه وجعلهم يظنون أن إضعاف الحبكات والقصة من سمات الفيلم التجاري.