محمود غريب
يرفع مشاركون عرب سقف طموحهم الفني إلى مرتبة متقدمة عندما يطلّون على صُنَّاع السينما العالمية في مهرجان كان السينمائي الدولي 2024، المقرر استمراره خلال الفترة من 14 إلى 25 مايو الجاري، بحضور 8 أفلام عربية، سبعة طويلة وفيلم قصير واحد.
اكتسب الإنتاج الفني العربي نضجًا حقيقيًا خلال الفترة الأخيرة، بفعل عوامل عديدة، من بينها حجم التنافس بين الأسواق العربية، بفضل الانخراط السعودي البارز في صناعة السينما خلال السنوات الماضية، وإتاحة الفرصة لنجوم كبار لتنمية مواهبهم، وهو ما أوقد شعلة النشاط الفني في الأسواق المنافسة؛ حيث حصدت السينما العربية نتائج هذا التنافس.
العامل الثاني، وهو مرتبط بالنقطة السابقة، يتمثل في إتاحة المجال أمام الشباب العرب لعرض إبداعاتهم الفنية، مع توفير مساحة واسعة من الدعم المالي واللوجيستي، وأصبحنا نُطالع أعمالاً من الفئات الجيدة لصغار المبدعين، والدليل أن الأفلام العربية المشاركة في مهرجان كان يقف خلفها شباب المبدعين؛ وهي نقطة في حال البناء عليها كفيلة بوضع السينما العربية في طريق المنافسة العالمية.
النقطة الثالثة المهمة في هذا السياق، هو استغلال الرقمنة، وعناصر التطور التكنولوجي في صناعة السينما، بالتزامن مع الطفرة العالمية التي نشاهدها في هوليوود خلال السنوات الأخيرة، اعتمادًا على التقنيات الحديثة ودمجها في مراحل إنتاج الفيلم.
العامل الرابع، الذي جعل السينما العربية تحقق طفرة ملحوظة من وجهة نظري، يتمثل في الجرأة التي يتمتع بها الجيل الحالي، وكسر تابوهات التقليد، وتصديق أنَّ بإمكاننا منافسة هوليوود وبوليوود، وصناعة هوية عربية خالصة للإنتاج الفني؛ دعم ذلك وبقوة الشجاعة السعودية لاستغلال مواقع التصوير الفريدة التي جذبت كبار صُنَّاع السينما العالمية لتصوير أعمالهم في مناطق عدة بالمملكة؛ وهو ما جعل حلم الانتقال إلى براند «سوليوود» أقرب للحقيقة.
على هذا النحو، طالعتنا السينما العربية، والسعودية منها على وجه الخصوص، بأعمال حظيت بإشادة النقاد والمهتمين بصناعة السينما، الذين لاحظوا لمسات إبداعية على مستوى الكتابة والقصة والسيناريو ومستوى التصوير والإخراج؛ وبالتالي كان تصدُّر فيلم سعودي شباك التذاكر في أسابيع متتالية على حساب أعمال أجنبية وعربية أخرى، أمرًا مقنعًا، ويعطي صُنَّاع السينما السعودية الجرأة على استكمال مشروع ريادي فني.
بالنظرة الفاحصة للمشاركات العربية في مهرجان كان السينمائي، نطالع أعمالاً لشبان عرب يحلمون بالتتويج بجوائز المهرجان المختلفة، وبعدما كان الحضور العربي مجرد تشريف، ارتفع سقف الطموحات إلى مستوى المنافسة.
تسجل السعودية أول مشاركة لها في المسابقات الرسمية لمهرجان كان، من خلال فيلم «نورة» ضمن قسم «نظرة ما»، وهو ما يعطي انطباعًا عن حجم النمو المتسارع للسينما السعودية، بفضل استغلال مواقع التصوير الفريدة، لا سيما في «العُلا»، تلك المنطقة التي تعتبر متحفًا فنيًا مفتوحًا بما تضمه من جبال وتضاريس ومشاهد كفيلة بأن تصنع نصف النجاح لأي عمل سينمائي.
ثمة دلائل قوية على أن المشاركة العربية في الدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي فريدة ومميزة وتاريخية، بالإضافة إلى مشاركة فيلم سعودي يمثل أول تجربة لمخرج شاب، فإن المغربي نبيل عيّوش بات المخرج العربي الأكثر مشاركة في مهرجان كان بأربع مشاركات، كما أن الفيلم المصري «رفعت عيني للسما» أصبح أول فيلم تسجيلي مصري يجري اختياره لمسابقة أسبوع النقاد منذ تأسيسها، كما ينافس على أكثر من سبع جوائز.
العامل المشترك في جميع المشاركات العربية بالمهرجان، هو أنها تمثل إبداعات جيل من الشباب، يؤمن بقدرته على مزاحمة كبار الصُنَّاع والمبدعين على مستوى العالم، وإعادة إحياء مسيرة المصري الراحل يوسف شاهين، وهو العربي الوحيد الذي كرّمه المهرجان بجائزة السعفة الذهبية تقديرًا لمشواره الفني، وهو ما يجعلنا نحلم بسعفة ذهبية ثانية للفيلم العربي، بعدما كانت الأولى للفيلم الجزائري «سنوات الجمر الحمراء» للمخرج محمد الأخضر حامينا عام 1975. المؤشرات الحالية مبشّرة، وتحتاج أن نُؤمن بها ونشجعها.