عبدالرحمن الأنصاري
يرسم شباك التذاكر صورًا عددية لشكل صناعة السينما في العالم، بناء على اتجاهات الجمهور وتفضيلاته، ومن ثمّ يدفع القائمين على الصناعة إلى مواكبة هذه الاتجاهات عند تقديم منتجات معينة، وبالتالي يذهب فريق من المختصين إلى اعتبار أن المنافسة التجارية هي من تحدد مضمون الأفلام، بينما يتمسك آخرون بالعكس، بأن تأثير الأفلام الجيدة هي من تقود ذوق الجمهور وتجذب رواد صالات السينما للفيلم المطروح حتى وإن جاء بفكرة ومعالجة جديدة.
الرسالة الأولى التي يطرحها شباك التذاكر أمام الجمهور تتمثل في تحديد نوعية الأفلام وطريقة معالجة المنتجات، بغض النظر عن مستوى التأثير المتبادل، وهو ما يمكن تسميته افتراضيًا «ذوق شباك التذاكر».
الرسالة الثانية التي يبطنها شباك التذاكر تتمثل في تحديد معايير النجاح التجاري للأفلام. ففي حين تتقدم نوعية وتتأخر أخرى في أسواق معينة، فإن الأمر يتوقف على اتجاهات الجمهور في سوق دون الآخر، فقد ينجح فيلم في السوق الأميركية ويفشل في الأسواق العربية؛ بيد أن الأمر ليس حتميًا، فقد يحقق الفيلم نجاحًا في مختلف الأسواق، وهنا يكون المنتج مثاليًا لدرجة جذب كافة الأذواق والاتجاهات.
الأمر المهم في هذا السياق، أنّ النجاح التجاري للأفلام لمن يفهم اتجاهات الجمهور، في المقام الأول، وثانيًا لمن يستطيع تقديم منتج يستبدل هذه الاتجاهات بعوامل جذب أخرى شديدة التأثير في المتلقي، وبالتالي يكون التأثير الأقوى للمنتج على حساب تفضيلات الجمهور.
الرسالة الأخرى التي يقدمها شباك التذاكر، هي أن النجاح لمن يقرأ السوق جيدًا، ويدرس آليات التسويق الحديثة، ويختار توقيت عرض الفيلم. فعلى سبيل المثال، حقق الفيلم السوداني «وداعًا جوليا» نجاحًا باهرًا في السوق المصرية رغم كونه فيلمًا غير مصري، نظرًا لدراسة ظاهرة شباك التذاكر جيدًا واختيار توقيت عرضه في فترة لا تشهد منافسة محتدمة بين المنتجات المصرية والأجنبية، فضلاً عن استغلال الجالية السودانية الكبيرة في السوق لطرح فيلم يهم شريحة واسعة من السودانيين، فكانت النتيجة أن حقق الفيلم أعلى إيرادات لفيلم عربي في صالات السينما المصرية.
التسويق الجيد والتركيز على تفضيلات الجمهور، يمثلان العاملين الأبرزين لنجاح أي فيلم في شباك التذاكر، حتى وإن كان جودة الفيلم لا تؤهله ليكون في صدارة الإيرادات، فكم من فيلم لقي ردود فعل سلبية من الجمهور رغم كثافة الإقبال على مشاهدته، بسبب الخطة التسويقية التي نجحت في شد انتباه رواد السينما لدخول الفيلم، وإن كان الأفضل أن يكون المنتج السينمائي عند حسن ظن الجمهور، وهو ما يكتب له البقاء لفترات أطول من المعتاد.