محمد عبدالله الأنصاري
في منتصف أسبوع كان مزدحمًا، حجزت مقعدًا على السفينة لأودع جوليا، بدأ فيلم «وداعًا جوليا» للمخرج محمد كردفاني بتمهل تصاعدي عجيب ومفاجئ لي. كمشاهد للسينما العالمية والعربية دائمًا ما أضع حاجزًا بيني وبين الفيلم العربي حتى لا أُحبط من النتيجة، وأضع ألف عذر للمخرج العربي، لكن فيلم «وداعًا جوليا» ومنذ خروج شارة البداية أخذ يقصف كل صفوف الدفاع لدي، ويرمي أمام أعيننا صورة سينمائية هي بالنسبة لي الأجمل في هذه السنة، في سرد قصصي بسيط وواقعي إلى حد التوقع أن هذا الفيلم وثائقي، وأداء شخصية «منى» للممثلة إيمان يوسف، وشخصية «جوليا» للممثلة سيران رياك، التي لما أجد لها عملاً سابقًا يبرر أداءها الرائع في الفيلم.. بدأ الفيلم متمهلًا لكن انتهى مسرعًا.
للفيلم وقع رائع واحتمالية حدوث أي شيء هو اتجاه سفينتنا، يروي لنا المخرج كردفاني قصة السودان في ذلك الوقت قبل الانفصال واصطدامنا مع شخصية «منى» للواقع الذي جاء إلى باب منزلها، من يتحمل الذنب؟.. سؤال كان يؤرقني طوال مشاهدتي للفيلم. الجانب الأول من الإجابة كان يدور ويجول حول أن منى هي من صدمت ابن جوليا، ولحق بها زوج جوليا إلى باب منزلها، لكن لسوء حظه أن بيت منى مليء بالحقد والتعصب تجاه جنوبيي السودان.
الجانب الثاني من إجابة السؤال هو زوج منى وهو يقف أمام المنزل ببندقيته التي اقتناها بعد المظاهرات المنتشرة في السودان حينها، ليطلق رصاصة الدفاع عن منزله فور وصولهم والانتقام من الجنوبي الذي يطارد زوجته. الجانب الثالث من إجابة هذا السؤال هو عدم معرفته أن منى زوجته قد دهست ابن هذا الجنوبي، لكن بسبب ما كان يجري بالسودان حينها لم ينل زوج منى جزاء جريمته وتم وضع القضية من قبل الحكومة تحت ملف الدفاع عن النفس.
وفي منزل منى تحت ملف الدفاع عن المنزل، لم يكن لمنى في بيتها راحة ولا طمأنينة حتى تعرف من هو هذا الشخص الذي قتله زوجها وهل ابنه بخير بعدما دهسته هي.. تلبس دور المحقق دون علم القاتل زوجها، وتقودها الأدلة إلى مكان جريمتها «اصطدامها بطفل جوليا» مرة أخرى، تأخذها شفقتها على حال جوليا وتأنيب ضميرها تجاه ما افتعلته، لم يكن كافيًا لمنى قتل زوجها لرب منزل جوليا، بل قررت أن تمنح جوليا فرصة لتحسين معيشتها بدون زوجها في منزل قاتل زوجها. قرار منى لمساعدة جوليا لم يكن خاطئًا ولا صائبًا في نظري، بل قتل زوجها ودهس ابنها والهرب كان هو بداية سلسلة الأخطاء التي صوبت الفيلم.
أشعر أن الفيلم كان يخجل من الانتهاء، بعد كل ما جعلنا نمر به ونعانيه في بيت منى وصداقتها مع جوليا، ظنًا منا أن الجريمة قد تندثر مع مرور السنوات، لكن لا يتركنا المخرج كردفاني في مأمن إلا ويعود لنا بمفاجأة فضول ابن جوليا لمعرفة ما حدث لوالده الذي بالنسبة إليه ذهب ولم يعد، لكن دراجة نارية كانت هي من أشعلت فتيل بيت منى الذي لم يُخمد منذ الجريمة.
بالنسبة إلى نهاية الفيلم التي أقل ما يقال عنها إنها كلاسيكية، لا نعلم في أي صف نقف وإلى من تلين عواطفنا، لكن وبالتأكيد نعلم أن ما شاهدناه توًّا كان عملًا سينمائيًا نقيًا.