فواز السيحاني
أن تَــكتب بعد الحلقة 30 من الجزء الثاني؛ يعني أن تكتب بالكثير من الطمأنينة؛ لأنك ستتحدث بشكلٍ شمولي ومنصف، ولأنك أيضًا لن تُحابي أو تنتقد بطريقة تلقائيّة.
وحتى لا يتهمني أحدٌ ما بالقصور المعرفي والجماليّ أقول للقرّاء وللطاقم القائم على المسلسل: إنّ لديَّ خبرةً لا بأسَ بها بالأعمال الفنية والأدبيّة، فلقد قرأتُ كافة أعمال: دوستويفكسي، بوشكين، ميلر، كامو، سارتر، سلنجر. وتابعتُ أشهرَ الأفلام الخالدة سواء كانت أوروبيّة أو أميركية.
المسلسلات أيضًا لديَّ مخزونٌ جيدٌ عنها: قيم أوف ثرونز، تروديتيكف والبطل المدهش كول رست، المسلسل الروسيّ الرائع الوصايا السبع. وقرأتُ محليًّا كافة منتوجاتنا الأدبيّة، خاصةً المنتوجات التي تناولت تلك الحقبة مثل: شارع العطايف، البحريات، ثلاثيّة الأزقة المهجورة، شقة الحريّة. واحتككت أيضًا مع أسماء عاشت تلك الحقبة، البعض منها مازال حيًّا والآخر توفاه الله.
وبعيدًا عن ذلك فإنه لا يسعني سوى أن أقول شكرًا، لهذا العمل والقائمين عليه؛ إلا أنّ هناك بعضًا من الملاحظات المهمة والتي أتوقع أنها وجيهةٌ وتستحق العناية. أولها تتعلق بالجانب التحريري فهناك مقاطع من المسلسل أفسدت طعمه المحليّ وأصابته ببعضٍ من الانتكاسات، لعل أهمها وجود بعض الأشخاص الذي كان دورهم أقل من الثانوي؛ إلا أنهم وأثناء المسلسل كانوا يتحدثون بطريقةٍ مختلفة عن لهجة أهل الرياض بل تُعطيك مؤشرًا أنهم لم يكونوا سعوديين في الأصل؛ ففي إحدى الحلقات وحين دخل رجال المباحث للقبض على سعد نظرًا لارتباطه بجهيمان نَزلَ الجنود المرافقون من الدور الثاني وقالوا بعبارة مسعّودة بشكلٍ صارخ ومزعج لأذن كل متذوق: “ماااا لقييينا شيييء”، وهذا في ظني إفساد لمحليّة العمل الذي أعدهُ وثيقةً تاريخيّة وثقافيّة. لا يقف الأمر عند هذه الهنة التحريريّة إن صحت التسمية، بل إنها تكررت كثيرًا حتى في أهم لحظات المسلسل، فخلال بحث جهيمان عن الخائن بين أصحابه قال: “بعد ذا وشلون انقتل؟.. أنا ما قلت لكم أي واحد تشكون فيه تذبحونه طوالي!”. وبإيقاعٍ موسيقيٍّ أفسد تماسك اللهجة، بل إن كلمة “طوالي” غير معروفة في قاموس تلك الحقبة ولم تنتشر إلا خلال فترة التسعينات. وبعيدًا عن الهنات التحريرية والتي تتعلق أغلبها بعلم اللسانيات واللهجات، سأقف قليلًا على أحد الحوارات الثقافية المهمة والتي حدثت في شقة يوسف، حول من أكثر شاعرية نزار أم أدونيس؟، كان هناك خطأ كبير في ظني، وهو أن أدونيس لم يكن هو الظاهرة خلال تلك الفترة بل كان محمود درويش، كما لم يتم تناول مفهوم الحداثة وفق جدليات تلك المرحلة، ولعله كان من الأفضل الرجوع للشخصيات التي دونت وعاشت تلك الحقبة أمثال: سعد الحميدين، والدكتور عبدالله الغذامي، والرجوع أيضًا لأهم ذاكرة مازالت على قيد الحياة الزميل ناصر الحزيمي فيما يتعلق بحادثة جهيمان وعلي العميم كذلك. في الختام وبعيدًا عن الكثير من الملاحظات التي لا يسع ذكرها المقال، فإنني أتمنى ترجمة العمل باللغات الأخرى توثيقًا لعالمية تلك الحقبة، ومنعًا للآخرين من أن يتحدثوا عنها نيابة عنا، أمثال لاكرو وتوماس هيغهامر.
المصدر: أبو ظبي الإخبارية