أمين صالح
«بعد البروفة» After the Rehearsal (1983) فيلم تلفزيوني، حقّقه إنغمار بيرغمان لصالح التلفزيون السويدي، ثم عُرض في مهرجان كان، خارج المسابقة، وفي الصالات السينمائية.
في حديث بيرغمان عن هذا الفيلم في كتابه «صور» قال:«لم أعد أرغب في تحقيق فيلم مرة أخرى. كان من المفترض لهذا الفيلم أن يبدو صغيرًا، مبهجًا، بسيطًا ومتواضعًا. سؤالان ضخمان انبثقا وظهرا أمامي؛ الأول: من يهتم حقًا بهذا النوع من الأعمال التي تعكس تركيزًا على الذات على نحو انطوائي؟ الثاني: هل توجد هناك حقيقة ما في أحشاء هذه الدراما، لا أستطيع أن أضع أصبعي عليها، ويتعذّر على مشاعري وحدسي بلوغها؟.. كان ينبغي أن نرمي بأنفسنا مباشرة في عملية صنع الفيلم، عوضًا عن ذلك، رحنا نتدرّب، نناقش، نحلّل، نتغلغل بحرص واحترام، تمامًا كما نفعل في المسرح».
الفيلم كله يدور في موقع واحد «خشبة مسرح»، بحضور ثلاثة ممثلين فقط، وخلال مدة زمنية تستغرق 72 دقيقة.
على خشبة المسرح، بعد انتهاء البروفة على مسرحية سترندبرغ «لعبة حلم»، ومغادرة جميع العاملين، باستثناء المخرج هنريك «إيرلاند جوزيفسون» المستغرق في شؤونه الذاتية، والذي اعتاد أن يختلي بنفسه بعد انتهاء البروفات للتأمل. تقتحم خلوته أنّا «لينا أولين» وهي ممثلة مشاركة في المسرحية، كما أنها ابنة ممثلة راحلة هي راكيل «إنجريد ثولين»، المدمنة على الكحول، وكانت عشيقة المخرج.
هنا تركيز على المواجهة، عبر حوار مطوّل، يتخّذ صيغة المجابهة، بين مخرج المسرحية والممثلة أنّا. إنها تستجوب أسلوبه في الحياة، علاقاته، المطالب غير المحتملة التي يفرضها، بوعي أو بلا وعي، على العاملين معه، والمحيطين به. ويدور حوار حول أمها التي تمقت سيرتها والتحدث عنها. عن حضورها كأم، وحبيبة، وممثلة. عن الأزمات العائلية والعاطفية والفنية. ونستشف من المحادثات إحساسًا عميقًا بالذنب، والرثاء للذات، والفقد.
في ما بعد، تظهر راكيل، الأم أو الحبيبة، على خشبة المسرح، لتواجه المخرج. بينما الابنة جالسة بلا حراك، ومن دون أن تتدخل، حتى تغادر الأم، وتستأنف حوارها مع المخرج.
«بعد البروفة» يتحرّى على مهل التضحيات التي يُقْدم عليها الفنان باسم الفن، وما تحدثه هذه التضحيات من أذى وضرر للعلاقات الشخصية.
الفيلم يبدو ذاتيًا، وربما هو الأكثر ذاتية من بين أفلام بيرغمان، حيث شخصية المخرج قريبة جدًا من شخصية بيرغمان نفسه.
وهو هنا يعبّر عن أزمة ذاتية مرّ بها في فترة ما. ويحاول أن يكون منفتحًا على جمهوره وصادقًا معه. إنه يقدّم رؤيته وتأملاته في المسرح والتمثيل المسرحي، والعملية الإبداعية بكل ما تستدعيه من تضحيات ومباهج، وفي ما يحتاجه المرء ليكون فنانًا.
الفيلم قائم على الأداء الجماعي المذهل، وعلى تصوير سفين نيكفست، وبالطبع إدارة بيرغمان.