سلطان القثامي
قبل ست سنوات تقريبًا، وأثناء دراستي لمنهج «تاريخ السينما»، سألني أستاذ المادة لماذا تتم إقامة مهرجان سينمائي في السعودية، بالرغم من عدم وجود صناعة حقيقية للأفلام. وأردفه بسؤال آخر عن طبيعة المخرج السعودي الذي سيفتتح المشوار مع السينما ودور السينما في التحول الاجتماعي المعاصر. وهذه أسئلة طبيعية من شخص خبير ومهتم بالتاريخ السينمائي للدول. وبالنظر إلى التجارب المتقدمة في هذا المجال، هناك سمة مشتركة بين الأفلام السوفييتية والألمانية والفرنسية والإيطالية والأميركية، وهي أن هذه الأفلام نشأت كجزء لا يتجزأ من قيام الأنظمة الحكومية وسيادتها. أي أن العديد من أفلامها عُرِضت خصوصًا للدفاع عن بلدانها في مواجهة الخصوم.
فالأفلام بطبعها أيديولوجية كسائر الفنون الأخرى وتعبر عن عقائد ومذاهب سياسية، وبالأخص في لحظات النزاع المحلي والحروب. في التجربة الروسية، على سبيل المثال، تبنّى سيرجي أيزنشتاين في فيلمه الصامت «المدمرة بوتمكين»، الفكر الاشتراكي الديمقراطي، بقيادة الفيلسوف فلاديمير لينين، المساند للثورة العمالية في مدينة سان بطرسبيرغ. وكان مجموعة من المخرجين السوفييتيين قد طرقوا النهج نفسه في دفاعهم عن هذا الحزب أو ذاك أثناء وبعد الثورة البلشفية عام 1917.
وفي السياق نفسه الذي يتمحور حول الأثر الأيديولوجي للأفلام في ترسية مشاريع سياسية معينة وقيام الحكومات، دأبت كثير من أفلام هوليوود على دعم توسع الإمبراطورية الأميركية في القرن العشرين، وبالتحديد في حروب الولايات المتحدة الأميركية المتعددة مثل: الحرب العالمية الثانية، وحرب فيتنام، وحربي أفغانستان والعراق، والحرب الباردة. وكانت تحاول هذه الأفلام – مثل فيلم «بلاتون» لأوليفر ستون عن حرب فيتنام – تبرير الخطاب الغربي التوسعي وتسجيل موقف متحيز من الصراع الرأسمالي الشيوعي بين أميركا والاتحاد السوفييتي. لذلك، فإن السينما بطبيعتها فن متفاعل مع الحالة السياسية للبلدان وفي تماهٍ أو تضاد مستمر مع أيديولوجياتها.
يؤكد المنظّر السينمائي جان لوي بودري، في نظريته الجهاز السينمائي، أن السينما تعمل كمؤسسة فكرية، فهي أحد السبل التي تستخدمها الدول للتعبير عن فكرها أو منهجها السياسي، وخصوصًا في علاقة الشعوب بعضها ببعض. فهي آلية اجتماعية ونفسية تساعد في ضبط الأنظمة وتنظيم العلاقات الاجتماعية والدولية. اليوم، وفي خضم العدوان الإسرائيلي على فلسطين، قام الكيان الصهيوني بإنتاج مشاهد فيلمية ونشرها لتحسين صورته أمام العالم محاولاً التأثير على مشاهديها، محاولة منه في إقناعهم وتبرير غاراته المستمرة على قطاع غزة المحتلّ.
وهناك دول أخرى تقوم بالأمر نفسه، ولكن لسبب مختلف. مثل أن تحاول التعريف بنفسها ثقافيًا عبر التركيز على مشاريعها الإنسانية داخليًا وخارجيًا. وبالنظر إلى السياق المحلي، ومع تزايد الضغط الدولي وانقسام المجتمع الدولي حول الإصلاحات الاقتصادية في المملكة اليوم، ما زال هناك شح كبير في نقل صورتنا ووجهات نظرنا إلى العالم، وبالتحديد فيما يخص رؤيتنا حول النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط. فتغيب عن أفلامنا وجهة نظر المؤلف حول الصراعات الاجتماعية وعلاقتها بالصورة السياسية الكبرى في المنطقة. فالتطرف، على سبيل المثال، تم التطرق إليه في العديد من الأفلام كنزعة فردية وليس كنهج لمجموعات وتيارات فكرية مدمّرة داخل وخارج المملكة. مع الدعم الحالي للسينما، نتطلع إلى استقبال أفلام مؤثرة اجتماعيًا وذات أبعاد فكرية وفلسفية مثيرة وجذابة للمشاهد والناقد السينمائي على حد سواء.