سليم البيك
في عرض ما قبل الأول، عرضت السينماتيك الفرنسية فيلم «ليزيستيفال» بحضور فريق الفيلم، إذ سينزل الفيلم إلى الصالات الفرنسية في وقت لاحق من الشهر. وكان الفيلم قد شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الأخير. لكن هل احتفاء مؤسسة بحجم السينماتيك الفرنسية من جهة، ومشاركة الفيلم بمسابقة رسمية لمهرجان كبير كفينيسيا من جهة أخرى، يسمح بأن يتهيأ أحدنا لتقييم يكون حتماً عالياً لفيلم كهذا؟
لا أعتقد أن هنالك ما يمكن أن يشكل حصانة لأي فيلم لدى مُشاهده ما لم يستحق الفيلم بنفسه، كعمل فني، تلك الحصانة. ولا تعني مشاركة أي فيلم بمسابقة رسمية لأي مهرجان امتيازاً مسبقاً. هو، لنقل، امتياز محتمل، أو مفترض إلى أن تتم المشاهدة وإثبات هذا الامتياز، أو هذه الجودة، وفقط بحكم المشاهدة. هذا ما يمكن إسقاطه على فيلم كهذا، وهو فيلم فرنسي إن أردنا ترجمة حرفية لعنوانه سيكون «منظّمو العطلات»، وهو عنوان يمكن أن يعود إلى اسم العائلة في الفيلم (Les Estivants)، وترجمته الإنكليزية هي «البيت الصيفي».
الفيلم الطويل نسبياً – زاد عن ساعتين- تجري أحداثه في بيت صيفي على ساحل الكوت-دازور (الريفييرا الفرنسية)، لدى عائلة فرنسية إيطالية بورجوازية، مالكة لبيت أشبه بالقصر، في بنائه وأثاثه. هناك تجري أحداث وأحاديث متفرقة، لا رابط بينها بشكل يجرّ بعضها إلى بعضها الآخر. وهنا كانت النقطة الأضعف في الفيلم، وهي استطالته بدون معنى أو غاية لذلك. بقطع ما يزيد عن نصف ساعة، لنقل 40 دقيقة، سيصير أقل سوءاً، أو أقل وطأة على مُشاهده الذي لا يجد عناصر ربط مقنعة بين ما حصل وما يحصل، كأنّ الكاميرا تجوّلت في القصر وباحته خلال أيام الإجازة القليلة لدى أفراد هذه العائلة الأوروبية البيضاء فاحشة الثراء، بدون إيجاد ما هو شيّق فيها، في ما يحكونه أو ما يفعلونه، وبدون أن تأتي الكاميرا بلقطات ذات ميزة بصرية بحدها الأدنى.
يمكن تصوير ذلك سينمائياً بشكل ذكي أو انتقادي، بسخرية أو بفنّية جمالية ما، فيكون التفكّك في الحوارات وفي السيناريو مقبولاً، كون الجودة في الفيلم ترتكز على كل حوار على حدة، فيكون أحدنا مكتفياً به، بذاته، بدون الحاجة لربطه بآخر وآخر وصناعة حكاية لفيلم واحد. هنا، في فيلمنا هذا، لم نجد ما يمكن أن يعوّض التفكّك الممل للحوارات. ولم نجد تعويضاً بصرياً لذلك.
الفيلم من إخراج الفرنسية الإيطالية فاليريا بروني تيدسكي وبطولتها، وهي المعروفة أساساً كممثلة، وهي نجمة حالياً في السينما الفرنسية، وقد اعتمد الفيلم على وجهها، على ملصقه.
على هامش الحوارات التي تملأ الفيلم، هنالك في زاوية ما من حكايته، ما يمكن أن يُبنى عليه ليكون الفيلم جيداً، وهو ما يمكن أن يصنع حكاية جيّدة فيه: حبيب البطلة يتركها في بداية الفيلم من أجل أخرى، وذلك في لحظة خروجها مع المنتج إلى شركة الإنتاج لتقدّم فيلمها، تتوتر هناك وتنهار باكية بدون أن يعرف أحد ما بها، قد يظنون أن السبب هو إيصالهم لها فكرة أن فيلمها غير مقنع. بعدها مباشرة تذهب إلى البيت الصيفي لتلتقي بباقي العائلة إنّما مهمومة بحبيبها الذي تركها، وبفيلمها الذي لم يقنع المنتجين، فلا تعرف بأيهما تتصرف وكيف، إنّما معظم ما تفعله يتعلق بحبيبها، وإن كانت تتحدث حول الفيلم أحياناً مع أفراد عائلتها الذين يعرفون أنه يدور حول أخيها المتوفى، الذي عاش في هذا البيت في وقت سابق.
لم تحك لنا المخرجة، وهي مشاركة في كتابة السيناريو، أكثر عن الفيلم أو عن صعوبات كتابته وإيجاد منتجين له، ولا عن حبيبها الذي يظهر أخيراً ليخبرها أنّ حبيبته التي يقيم علاقة معها منذ زمن هي تلك، الامرأة على أحد إعلانات الملابس الداخلية النسائية (اللانجيري). ما نشاهده عن هذه العلاقة ضئيل، وكل ذلك كان لحساب حوارات ويوميات سطحية لأوروبيين بورجوازيين بيض يمضون إجازة الصيف في قصر على الريفييرا الفرنسية، أي أحاديث يمكن لهذه أن تكون إذن!
قد لا يكترث أحدنا إن مرّ فيلم كهذا على الصالات بدون احتفاء من مؤسسة مرموقة كالسينماتيك (قد تكون هناك أسباب لا تتعلق بجودة الفيلم تحديداً وبالضرورة) أو، والأهم، قد لا يكترث أحدنا إن كان الفيلم خالياً تماماً من عناصر يمكن أن تجعله فيلماً جيداً، بمواضيع وشخصيات وقصص. إلا أن في هذا الفيلم بعضاً من تلك العناصر إنّما مكبوتة وأتت كإشارات ثانوية في فيلم ارتكز على حوادث وأحاديث وانفعالات لم تخرج عن سطح موضوعها.
المصدر: القدس العربي