أمين صالح
عندما سُئل الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز إن بكى قط في صالة السينما وهو يشاهد فيلمًا؟ أجاب: «يمكنك أن تبكي في حالتين: عندما يكون الفيلم جميلاً جدًا، أو عاطفيًا جدًا». وأضاف قائلاً: «كيف تمنع نفسك من البكاء وأنت تشاهد «زهورًا مسحوقة»؟».
وهذا الفيلم Broken Blossoms حقّقه ديفيد غريفيث في عام 1919، وهو عمل ميلودرامي يهدف إلى استدرار دموع المتفرجين.
شخصيًا، أذرف الكثير من الدموع وأنا أشاهد الأفلام، خصوصًا تلك اللقطات التي تصوّر محن الأطفال، ولحظات الموت العاطفية، والكوارث التي تصادف أسرة فتحول أجواء المرح والسعادة إلى أحزان ومآسٍ.
المشاهد الميلودرامية ذات الطابع الوجداني المفرط والقادرة على تحريك المشاعر. أيضًا تذرِف دموعي عندما أستغرق في ضحك متواصل على مشهد كوميدي ظريف جدًا. وأيضًا، مثل دولوز، عندما أشاهد عملاً جميلاً وفاتنًا. أبكي من الفرحة.. فرحة اكتشاف مشاهد في غاية الروعة والجمال.
أسباب كثيرة تدفعني إلى البكاء في صمت، في خجل، في سرّية كلئلا يضبطك واحد من المتحجرين عاطفيًا فيتّخذك مادةً للتندر لأنك كشفت أو فضحت ما يعتبره الجانب الأنثوي فيك».
يحدث أحيانًا أن تتفاعل مع مشهد ما، إلى حد ذرف الدموع ليس على الحالة المصوّرة، بل على تلك الذكرى التي استحضرتها الذاكرة، المماثلة تقريبًا لحالة الشخصية؛ كأن تتذكر عزيزًا عليك عانى من موقف مماثل. هذا يشبه الممثل الذي يُطلب منه أن يجسّد حالة حزن عميق، فيستحضر ذكرى أليمة مرّت به أو بأحد أحبائه، ويمرّر ذلك الانفعال عبر قناة الشخصية التي يؤديها.
أثناء مشاهدة الأفلام الميلودرامية الهندية، يحدث أحيانًا أن تتفاجأ بدموعك وهي تسيل على خديك على نحو لا إرادي، وأنك تستهلك الكثير من المناديل الورقية لمسح الدموع على نحو آلي، وتتساءل مستغربًا: لم أشارك الممثلين البكاء رغم سذاجة أو لا معقولية الموقف؟ هل هي آلية تلقائية بفعل المشاركة الوجدانية، والتعاطف مع الحالات الإنسانية التي تستدعي الشفقة أو الرثاء، أم مجرد التفاعل مع نبرات الأسى والعجز والحرمان؟
بالطبع، أغلب الأعمال الميلودرامية، التي تعتمد على المبالغات والوجدانيات المفرطة، تقوم على التلاعب بعواطف المتفرج ومشاعره، مستغلة رهافته وحساسيته البالغة، في دفعه إلى أقصى مدى من التطابق مع الشخصيات وهمومها ومشاكلها، بحيث يسهل إقناعه بالتفاعل والتعاطف.
هذه الأفلام تهندس المشاعر والانفعالات وتوجهها. من جهة أخرى، لا يمكن للأفلام ممارسة تأثيرها على متفرج لا يستسلم بسهولة لإغواءات الصور، ولا استعداد لديه للتعاطف مع أزمات الشخصيات وهمومها. مثل هذا المتفرج لن تنفع معه جرعات الحزن، ولن تحرّك مشاعره المواقف الميلودرامية المفرطة، بل قد يسخر، أو يستنكر، لدى رؤيته لجاره في الصالة وهو يمسح دموعه.