سوليوود «متابعات»
رغم مرور 17 عاماً على غيابه عن عالمنا، فإن الفنان المصري الراحل أحمد زكي (18 نوفمبر «تشرين الثاني» 1946- 27 مارس «آذار» 2005)، لا يزال يثير فضول الكتاب والباحثين حول موهبته الفريدة، وحضوره الأخاذ كممثل برع في تقمص الشخصيات التي جسدها رغم تباينها، ممسكاً بأدق تفاصيلها، معبراً بكل إمكانيات الممثل عنها، حتى أن النجم الراحل عمر الشريف، اعترف في حوار له بأن «أحمد زكي يتمتع بموهبة تفوقه، وأنه لو كان يجيد الإنجليزية لخطفته السينما العالمية». ولا يزال أحمد زكي، رغم سنوات رحيله، حاضراً بأفلامه التي تم اختيار 6 منها ضمن قائمة «أفضل مائة فيلم في السينما المصرية».
بين مسيرته المذهلة وشخصيته الفريدة، يمضي الناقد السينمائي أسامة عبد الفتاح في أحدث كتاب له بعنوان «أحمد زكي… حكاية رجل مهم»؛ راصداً مسيرة النجم الراحل الفنية، برؤية نقدية وتحليلية لدوره وتأثيره في السينما المصرية والعربية، وفقا لصحيفة الشرق الأوسط.
في البداية، يتساءل المؤلف في الفصل الأول تحت عنوان «الفتى الأسمر ليه»، عن القيمة الفعلية لأحمد زكي، وما هو دوره الحقيقي في الفن بشكل عام، والسينما بشكل خاص، مقدماً دراسة تحليلية حرة، لا تضم جميع أعمال الفنان الراحل، منوهاً إلى أنه ليس من المعقول تحليل 59 فيلماً روائياً طويلاً، و17 مسلسلاً تلفزيونياً، و6 مسرحيات، هي مجمل أعمال الفنان الراحل؛ بل أراد تحليل المسيرة نفسها، والوقوف على أسباب أهميتها وأهمية صاحبها.
نموذج عصامي
يؤكد مؤلف الكتاب أن أحمد زكي يعد نموذجاً عصامياً مصرياً وعربياً فريداً للنجاح والتحقق، والصعود إلى القمة، بالعرق والدم والدموع، وتحقيق المجد بالعمل والاجتهاد وحده، دون واسطة أو شللية أو محسوبية، مع الدأب والإصرار والإخلاص الكامل لفنه وموهبته، وقد بكى كثيراً في أول المشوار تحت وطأة الظلم والتنمر على لون بشرته وشعره الخشن.
وروى الفنان الراحل للإعلامي اللبناني زاهي وهبي، عبر برنامجه «خليك بالبيت»، عام 2001، عن واقعة استبعاده من فيلم «الكرنك» بعدما رشحه صناع الفيلم لأداء شخصية «إسماعيل الشيخ»، وأنه من فرط «حماسه حفظ السيناريو كاملاً، وقبل يوم واحد من بدء التصوير أخبره منتج الفيلم ممدوح الليثي، أن الموزع حسين الصباح يرى أنه لا يصلح أن يكون حبيباً لسعاد حسني؛ لأنه أسود البشرة وشعره مجعد. وقال زكي إن هذه الصدمات كانت كفيلة بقتله؛ لكنه استمر وكافح حتى حقق ما أراد، وأنه وجه الشكر فيما بعد للصباح والليثي؛ لأن رفضهما له ساعده على اكتشاف مدى حبه للفن.
ويكشف المؤلف عن واقعة أخرى في بدايات زكي الملقب بـ«النمر الأسود» و«الإمبراطور»، حدثت بعد اتفاقه على بطولة فيلم «الحريف» عام 1983 للمخرج محمد خان؛ حيث اختلف معه على تفاصيل بسيطة في الشخصية، منها طول الشعر، واحتد الخلاف بينهما، وذهب الدور للنجم عادل إمام. وحسبما يروي مدير التصوير سعيد شيمي للمؤلف: «كان زكي يطالع صور الفيلم في المونتاج، فقام وضرب رأسه في الحائط، ندماً على عدم مشاركته في الفيلم».
الفتى الأول
ظلت صورة الفتى الأول في السينما المصرية ثابتة لعقود طويلة، اعتماداً على وسامة الممثل، ويرى عبد الفتاح أن الفضل الأكبر كان لأحمد زكي في كسر هذه الصورة التي اعتمدت من حيث المظهر الخارجي على الوسامة والوجاهة، والقوام الممشوق، والشعر الناعم المصفف، غير أن زكي لم يكسر الشكل الخارجي للبطل السينمائي فقط؛ بل كسر قواعد رسم وبناء شخصيات الأبطال، ليصبحوا على يديه وأبناء جيله أقرب إلى البشر العاديين.
وظهر زكي في فيلم «إسكندرية ليه» عام 1979، للمخرج يوسف شاهين، كفتى شاشة من الطراز الأول، وسيماً بطريقته، جذاباً بطريقته، ليكون مقنعاً جداً وهو يؤدي دور الحبيب الأسمر للفتاة اليهودية الشقراء التي جسدتها الفنانة نجلاء فتحي.
يضم الكتاب 3 أقسام: القسم الأول بعنوان «مسيرة مذهلة»، ويشمل 14 فصلاً منذ بدايات النجم الراحل الأولى، والأعمال التي شهدت ذروة توهجه، وتدرجه في التأثير، وتجسيده للشخصيات العامة، وعن الأداء والمدارس والتقمص، وغيرها من العناوين التي ترصد مسيرته في السينما والتلفزيون وتجاربه المسرحية، بينما يخصص القسم الثاني من الكتاب لشخصية أحمد زكي تحت عنوان «شخصية فريدة»، والتي تشكلت منذ نشأته يتيماً، ومشاعر القلق والهواجس والاتهامات التي وجهت له بالجنون، ورحلة المرض، متسائلاً في النهاية عن إمكانية تجسيد شخصيته على الشاشة، ويفرد في القسم الثالث فيلموغرافيا عن أعماله التي حققها المؤلف بنفسه، ومستشهداً باعترافات لأحمد زكي قالها عبر برامج تلفزيونية، وبآراء سينمائيين عملوا معه واقتربوا منه، من بينهم الفنان محمود حميدة.
السينما الواقعية
رغم بدايات زكي المسرحية وأعماله التلفزيونية، يظل «الفن السابع» العالم المفضل والأثير لأحمد زكي، وتظل أعماله السينمائية عصب منجزه الإبداعي، ومفتاح الدخول لعالم موهبته الفذة، والاقتراب من أسلوبه الخاص في الأداء، وتحليل اختياراته وتحولاته ومنعطفاته خلال الفترة التي وقف فيها أمام كاميرات السينما، والتي تمتد إلى ثلاثة عقود (منذ 1972 حتى وفاته 2005). وجاءت طلته الأولى على شاشة السينما في فيلم «ولدي» للمخرج نادر جلال، وقد شهدت فترة الثمانينات ذروة تألقه وتوهجه وانتشاره، من حيث الكم والكيف أيضاً، وقدم خلالها مجموعة، ليست من أفضل أفلامه فقط؛ لكن أيضاً من أهم أعمال السينما المصرية. ولا جدال في أن صعود نجمه جاء متزامناً مع ظهور ما يسمى بتيار «الواقعية الجديدة»، واشتراكه بقوة في أفلام مخرجي هذا التيار من أهم أسباب تميز عقد الثمانينات في مسيرته، ومن بينهم: عاطف الطيب، ومحمد خان، وخيري بشارة، وداود عبد السيد.
«رجل مهم»
يفرد المؤلف فصلاً خاصاً لفيلم «زوجة رجل مهم»، كنموذج يمكننا من الاقتراب من أداء أحمد زكي، يرصد فيه كيفية اقترابه من الشخصية وتجسيده لها، وتتابع ردود انفعالاته من البداية للنهاية لشخصية ضابط الشرطة المصاب بالعصب الهستيري الذي رهن حياته كلها بعمله كضابط، وتحولات الشخصية كما عبر عنها أحمد زكي، من الجبروت والسيطرة والعنجهية، إلى الانكسار والهزيمة.
ويقول عبد الفتاح لـ«الشرق الأوسط»: «لو لم تصنع السينما المصرية سوى هذا الفيلم لكفاها، من فرط جماله».
كما يفرد فصلاً آخر بعنوان «مع السندريلا»، حول أعماله الفنية مع النجمة سعاد حسني؛ حيث تظل تجاربه معها شديدة الخصوصية، محللاً الأفلام الأربعة التي جمعتهما، وهي: «شفيقة ومتولي» 1978، و«موعد على العشاء» 1981، و«الدرجة الثالثة» 1988، و«الراعي والنساء» 1991، بالإضافة إلى مسلسل «حكايات هو وهي».
وفي القسم الثاني للكتاب، يتعرض المؤلف لشخصية الفنان الفريدة، واتهام البعض له بـ«الجنون، تأسيساً على ما يتواتر من حكايات وقعت أثناء التصوير، ومنها أنه كان مزاجياً لأبعد الحدود»، وقد رفض زكي هذا الاتهام، وقال إنه «مصاب بجنون الفن»، وأنه «إذا كان الدفاع عن الحق وطلب الكمال ومحاولة عمل شيء متميز جنوناً، فهو إذن مجنون»، على حد تعبير النجم الراحل.