منذ بداية التلفزيون بدأت الدراما التلفزيونية، وبالمقارنة مع الأفلام السينمائية كانت المسلسلات التلفزيونية تأتي في مرتبة أدنى، والنجم التلفزيوني لا يقارن بالنجم السينمائي، فالنجم الذي يذهب الناس إلى قاعات السينما لمشاهدته وهم في أبهى حلة، لا يمكن أن يوضع في نفس المرتبة مع ممثل الدراما التلفزيونية الذي يشاهده الناس وهم في بيوتهم يرتدون ملابسهم المنزلية.
هكذا كانت الحال على مدى عقود طويلة، لكن الحال تغيرت الآن، ونجم السينما الذي كان يترفع عن المشاركة في مسلسلات التلفزيون أصبح اليوم من أهم أبطال الدراما التلفزيونية. يأتي ببريقه وأجره العالي، لكنه يعرف أهمية التلفزيون وأهمية أن يحل ضيفاً على الناس في بيوتها.
حدث هذا التغير على مستوى العالم، لكن الذي لا يحدث سوى عندنا في العالم العربي هو هذا الارتباط الفريد بين الدراما التلفزيونية ورمضان. أنا مثلاً لا أشاهد المسلسلات العربية سوى في رمضان، بقية شهور السنة لا أتابع أي مادة عربية، ولا أعرف سر ارتباط رمضان بالمسلسلات، لكن أهم المسلسلات العربية شاهدناها في رمضان، كيف حدث ذلك، ومن هو المسؤول عن ذلك؟ يبدو سؤالاً تصعب الإجابة عليه، هل أصبحت الأعمال المهمة تعرض في رمضان لأن نسبة المشاهدة تزيد في رمضان، أم أن عرض الأعمال المهمة تزيد في رمضان، مما جعل الناس تحرص على متابعتها في هذا الشهر؟
ما نعرفه جميعاً أن هناك أعمالاً مهمة حفرت في الذاكرة، أعمالاً فذة وجبارة، كتبها كتاب كبار، وأخرجها مخرجون عظام، وقام بتجسيدها أهم الفنانين في عالمنا العربي، ولم تعرض بالضرورة في رمضان.
القاهرة والناس، صح النوم، درب الزلق، هذه الثلاثة مسلسلات عرضت في السبعينات من القرن الماضي
الأول مصري، الثاني سوري، والثالث كويتي.
هذه الأعمال الخالدة تدل على أن العالم العربي يعرف جيداً ما الفن، وكيف ينتج أعمالاً عظيمة.
هناك أيضاً الأعمال التلفزيونية اللبنانية التي عرفتنا على الأدب العالمي، مثل مرتفعات وذرنج أو مسلسل التائه كما سماه اللبنانيون.
لو راجعنا تاريخ الدراما التلفزيونية العربية لوجدنا الكثير من الأعمال الرائعة والخلابة من مختلف التلفزيونات العربية، أعمال بذل فيها الكثير من الجهد في الكتابة والإخراج، أعمال شكلت ذائقتنا الفنية، وخلقت لدينا الوعي بكيف يجب أن تكون الدراما.
مازال هناك من يحرص على تقديم الراقي والمهم، أعمال قيمة وتقوم ليس فقط على الإبهار والتسلية، وهي بالتأكيد عوامل مهمة لإنجاح أي عمل، لكنها لا يجب أن تكون الأساس.
أذكركم ببعضها من دون تسلسل زمني: الشهد والدموع، ليالي الحلمية، عمر بن عبدالعزيز (اللبناني الذي قام ببطولته رشيد علامة)، خالتي قماشة، أحلام الفتى الطائر، الخنساء. وغيرها الكثير.
في السنوات الأخيرة ظهرت أيضاً أعمال مهمة وذات قيمة فنية عالية، أتمنى أن تطغى الأعمال الجيدة على الإسفاف والابتذال. وكل عام والدراما العربية بخير.
المصدر: جريدة الرياض