سوليوود «خاص»
قالت ورقة بحثية صادرة عن مركز سمت للدراسات، إن المسلسل العربي “ممالك النار” يعدُّ الأول من نوعه الذي نسف جهود سنوات من التضليل والتكذيب والترويج عبر عشرات الحلقات الدرامية التركية، التي ظن أهلها أنهم تمكنوا من تزييف وعي العرب وتجميل وجه الدولة العثمانية، وذلك في صورة عمل درامي قوامه 14 حلقة فقط، جمع ملايين العرب حوله في أيام قليلة، وهو ما أكد “القوة الناعمة” للدراما والفن في مخاطبة النخبة والبسطاء، وأثبت أنه عمل فني مكتمل الأركان، من حيث الكتابة والسيناريو، أو من حيث التمثيل والأداء، أو من حيث التصوير والإخراج.
وأضافت الورقة البحثية أن هذه هي المرة الأولى تقريبًا التي يحظى فيها عمل درامي عربي بهذا الاهتمام وتلك الضجة، قبل حتى أن يشاهده الجمهور. تلقف الجمهور العربي بلهفة عملاً دراميًا تاريخيًا، بعد سنوات من ترديد شائعة عدم إقبال الجماهير على الأعمال التاريخية. عمل درامي تسبب بحالة مفرطة من السعار والغيظة لـ”العثمانيين الجدد” رغم سرده لحقائق تاريخية مدونة منذ قرون لا منذ سنوات.
ووفقًا لما أوردته الورقة البحثية، فإن الدراما التركية حظيت بدعم غير محدودٍ من حكومة تركيا، وصنعت لنفسها سوقًا محلية وإقليمية قوية ومؤثرة، بدأت بمسلسلات بسيطة تتحدث عن قصص الحب والغرام المعاصرة، ثم اتجهت أخيرًا لرواية تاريخ تركيا وتاريخ الدولة العثمانية، مثل مسلسل “قيامة أرطغرل”، الذي يزعم بطولة لشخصية هامشية بربرية لا قيمة لها، وهذه قوة الدراما، وبالتالي إلغاء وتهميش كل الروايات من الأمم والشعوب والدول التي عانت طويلاً طغيان وتجبّر العثمانيين المستعمرين المحتلين الطغاة.
ويعزو “مركز سمت” ذلك إلى ضعف الدراما العربية عن مواجهة الدراما التركية خلال السنوات الماضية، فلم يذهب أحد لإنتاج ما يذكر الأبطال العرب الذين واجهوا الأتراك باستحضار تاريخ العثمانيين الدموي المشين، وبالذات ما صنعوه بالأمة العربية وشعوبها ودولها، من ظلم وقتل وتعذيب وتهجير قسري، وغيرها من أنواع العذاب والبشاعة، مؤكدًا أن مسلسل “ممالك النار”، الذي يروي بإمكانيات تتجاوز الدراما العربية الحالية تضاهي المسلسلات العالمية، بكثير من الاحترافية والإبداع، قصة الحرب التاريخية بين العثمانيين والمماليك، التي سقطت على إثرها دولة المماليك، بعدما استمرت أكثر من مئة وخمسين عامًا.
وتضيف الورقة البحثية الصادرة عن وحدة الدراسات الاجتماعية بـ”مركز سمت”: “المسلسل استعرض بدايات دخول العثمانيين الباطش للدول العربية، وما جرى بعدها من استمرارٍ للتجبر يستحق عشرات الأعمال الدرامية، وهو ما شجع عددًا من القنوات العربية الأخرى في التوجه نحو فضح تاريخ الأتراك الدموي، عبر عددٍ من الأعمال التي سترى النور قريبًا، مشيرًا إلى استفزازه للمشاهدين بما تناوله من أحداث دفعتهم للبحث عن حقيقة ما يشاهدونه من جرائم وسفك دماء ويشعر برغبة في قراءة المزيد ويعتمد على نفسه، فهذه ثقافة كنا نفتقدها”.
وأكدت الورقة البحثية أن المماليك كانوا ظلمة وطغاة، ولكن العثمانيين كانوا جبابرةً وطغاةً لا بشرًا، وكان سلاطينهم قتلة فجرة، حتى إنهم منذ محمد الفاتح أخذوا يقتلون أبناءهم وإخوانهم بتشريعٍ من السلطان نفسه، وهو ما أبرزه مسلسل “ممالك النار” بشكلٍ واضحٍ، حيث المقارنة دائمًا لصالح المماليك ضد الترك في المعيار الإنساني.
وأوضحت الورقة أن الانتقاد الذي وجه إلى المسلسل لم يتعرض للنواحي الفنية، لكن هجوم البعض على أن هناك أخطاء تاريخية دون أن يكون لديه أي مرجعية علمية تؤهله لإطلاق هذا الحكم، مثل استخدام لفظ الفتح وليس الغزو لوصف دخول العثمانيين مصر، والفتح كلمة لا تستخدم إلا مع الدول غير الإسلامية ويكون الهدف هو نشر الإسلام في هذه الدول، لكن مع الدول الإسلامية يكون غزوًا واحتلالاً ورغبة في النهب والسطو على ثروات وخير هذه البلاد، فضلاً عن أيديهم الملوثة بدماء المصريين والعرب، لافتة إلى أن من أهم ما يميز مسلسل “ممالك النار” أنه راعى كونه عملاً دراميًا تاريخيًا، فحرص على سرد حقائق التاريخ كما هي مدونة في كتب الأتراك أنفسهم، وكما هي مسجلة في كتب المؤرخين المعاصرين للفترة التي تناولها العمل، ولا سيَّما ما كشفه عن وصايا محمد الفاتح وانتهاجه قتل الرضع وقتل الإخوة لضمان استقرار الحكم والدولة، وطبائع سليم الأول الدموية وقتله كل من يعارضه حتى لو كان شقيقه.
تجدر الإشارة إلى أن مركز سمت للدراسات مركز بحثي مستقل يضم عددًا من الوحدات البحثية المتخصصة، وهي: وحدة الدراسات السياسية، ووحدة الدراسات الاقتصادية، ووحدة الدراسات الاجتماعية، ووحدة الدراسات التركية، ووحدة الرصد والمتابعة، ووحدة الترجمات، ووحدة دراسات رؤية السعودية 2030، ووحدة مراجعات الكتب.