سوليوود (وكالات)
أثناء الاستعداد للاحتفال بتقديم جوائز الأوسكار قبل عامين، كانت هوليوود تضج بالشكاوى حول موقفها من القضايا العرقية.
وفي ظل عدم ترشيح أي ممثل أسود لأي من الفئات الرئيسة للجائزة، اندلعت احتجاجات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت وسم #الأوسكار_ للبيض_ فقط.
قاطعت شخصيات أمريكية رائدة من أصل إفريقي في الصناعة، ذلك الحدث.
عشية بث حفل توزيع الجوائز الأخير، غرقت هوليوود مرة أخرى في المسألة العرقية، إلا أنها هذه المرة تحتفل بالنجاح العالمي لفيلم الفهد الأسود، أول أفلام سلسلة بطل خارق بميزانية كبيرة يلعب فيها ممثل أسود فيه دور البطولة، بطاقم تمثيل أغلبه من السود وكاتب أسود بل وبمخرج أسود.
وفق ما نشرت صحيفة الإقتصادية فإن هذا الفيلم، المصور في استديوهات مارفل التابعة لشركة والت ديزني، يستهدف تحقيق مبيعات تذاكر عالمية تصل قيمتها إلى مليار دولار، بفضل التبني الهائل للنقاد والجماهير والمجتمع الأمريكي-الإفريقي له، حتى كاد يصبح منذ الآن معْلما ثقافيا.
بعد الجدل الذي أحاط حفل الأوسكار قبل عامين، يقدم نجاح فيلم الفهد الأسود لحظة طيبة بالنسبة لهوليوود في نهجها المعتمد على التعامل مع التنوع.
في الواقع، كان المرشحون لجوائز الأوسكار لعام 2018 علامة على نطاق أرحب من المعتاد للعرق والجنس، بفضل الجهود الأخيرة بشكل كبير من قبل أكاديمية الفنون السينمائية والعلوم لتحديث وتنويع عضوية هيئة التصويت فيها، التي يهيمن عليها البيض وكبار السن.
قد تكون أيضا لحظة مهمة بالنسبة لصناعة أفلام غالبا ما افترضت أن الجمهور لن يأتي بأعداد كبيرة، لحضور أفلام تلعب أدوار البطولة فيها وجوه من غير البيض، على الرغم من أن تركيبة المجتمع الأمريكي العنصرية، آخذة في التغير بشكل ملحوظ جدا.
في الوقت الذي تضطر فيه استديوهات الأفلام للبحث عن جماهير جديدة، فيما تعاني منافسة كل من خدمة بث نيتفليكس والبث المباشر للأفلام عبر الإنترنت، قدم فيلم الفهد الأسود دعوة استيقاظ تجاه الإمكانات التجارية لأفلام يخرجها ويتولى بطولتها نجوم من السود.
يقول ريتشارد جيلفوند، الرئيس التنفيذي لشركة آيماكس لسينما الشاشة الكبيرة: “لا تحدث مثل هذه الأمور بين عشيّة وضحاها، بل عندما يفكر المسؤولون التنفيذيون عن الاستوديوهات في كل أنحاء العالم، في إعطاء الضوء الأخضر لإنتاج فيلم بطله ممثل أسود أو من أصل إسباني يمر عبر كل الفئات الأربعة -محبي الأفلام الكبار والصغار والذكور والإناث-، بدلا من العمل لصالح فئة واحدة.
تعمل خبرة فيلم الفهد الأسود على تغيير الدينامية. أعتقد أن الناس سيكونون أكثر استعدادا لاتخاذ المخاطر”.
قال بوب آيجر، رئيس مجلس إدارة مجموعة والت ديزني، إن الشركة تشعر “بالبهجة الشديدة” لأن الفيلم يمثل “لحظة مهمة من الثقافة”، لكنه ينطوي أيضا على إمكانية أن يصبح صاحب امتياز قوي يباع عبر شركاتها.
وأضاف: “أضمن إلى حد كبير أنه خلال عيد الهالوين المقبل أو حتى عيد الميلاد، سنشهد كثيرا من منتجات فيلم الفهد الأسود في الأسواق”. قال أيجر إن طوابير مجموعة ديزني لاند التي تنتظر حضور الفيلم، كانت تضطر الشخص إلى الانتظار لمدة ساعة إلى أن يأتي دوره، وأشار إلى إمكانية إنشاء لعبة تدور حول الفيلم.
النجوم السود ليسوا بظاهرة جديدة في هوليوود. بدءا من سيدني بواتييه وصولا إلى هالي بيري ودينزل واشنطن، لمع نجم الممثلين السود في شبابيك التذاكر على مدى عقود.
كما يجري تأليف كثير من الأفلام بشكل خاص لجماهير السود، مثل أفلام ماديا الكوميدية التي يقوم ببطولتها وإخراجها تايلر بيري.
مع ذلك، وعلى الرغم من كل تلك النجاحات، كانت هوليوود مترددة في اتخاذ الخطوة التالية، أي إنتاج فيلم ضخم كل طاقمه من السود، فيلم من الممكن أن تساعد إيراداته في دعم لائحة أفلام كاملة في الاستديو.
لو كان فيلم الفهد الأسود رهانا في هذا الصدد، فإنه يكون قد آتى أكله بشكل رائع بالنسبة لشركة ديزني. حتى مع التوقعات التي سبقت صدوره في شباط (فبراير) الماضي، حطم الفلم التوقعات إذ حقق ما يزيد على 200 مليون دولار، في خامس أكبر افتتاح خلال نهاية الأسبوع على الإطلاق.
بلغت مبيعات التذاكر عالميا نحو 700 مليون دولار، وهو رقم لا مجال أمامه سوى الارتفاع بعد أن تم عرض الفيلم في الصين، ثاني أكبر سوق للأفلام في العالم، في التاسع من آذار (مارس) الجاري. كما تجاوز فيلم الفهد الأسود منذ الآن فيلم ستريت أوتا كومبتون لعام 2015، كأعلى الأفلام تحقيقا للأرباح من إخراج رجل أسود بأغلبية سوداء من الممثلين.
عبر أجزاء كثيرة من الولايات المتحدة، لم يكن إطلاق فيلم الفهد الأسود مجرد عرض ليلي في السينما، بل كان حدثا ثقافيا. جاء محبو الأفلام وهم يرتدون ملابس وأزياء مستوحاة من أزياء الفيلم واللباس الإفريقي التقليدي، ومن ثم بدأوا ينتظرون في طوابير ملأت الشوارع المحيطة بدور السينما في المدن.
أضافت دور السينما أوقات عرض إضافية لتلبية الطلب. بدورها عمدت الكنائس والمدارس والشركات بما فيها شركة الإعلانات مجموعة Interpublic Group إلى تنظيم أوقات لعرض الفيلم.
قال تشادويك بوزمان، الذي يلعب دور الشخصية الرئيسة في الفيلم، لجمهور ينتظر هذا الأسبوع خلال فعالية عقدت في مسرح أبولو في نيويورك: “لا أعلم إن كنا قد شعرنا من قبل بمثل هذا الفخر، كوننا من الأمريكيين السود”.
خارج إحدى دور السينما في هارلِم على مسافة قريبة من مسرح أبولو، ارتدى الباعة قمصانا مزركشة بعبارات “واكاندا للأبد”، و”ستريت أوتا واكاندا”- الدولة الإفريقية الخيالية التي تدور فيها أحداث الفيلم.
قال ريان كوجلر، مخرج فيلم الفهد الأسود الذي شارك في التأليف، في رسالة شكر وجهها للمعجبين بعد عطلة نهاية الأسبوع التي افتتح فيها الفيلم: “في أعماقنا، كنا نأمل جميعا أن يأتي الناس ليشاهدوا فيلما حول بلد خيالي موجود في قارة إفريقيا، تمثل فيه مجموعة من أفراد ينحدرون من أصل إفريقي. لم يكن يخطر على بالنا حتى ولو بعد مليون سنة، أنكم جميعا يمكن أن تأتوا بهذا العدد وبكل هذا الحماس”.
يمكن للأداء القوي للفيلم أن ينعش ما كان يبدو وكأنه ربع أولي كارثي بالنسبة للصناعة. قالت شركة آر بي سي كابيتال ماركِتس هذا الأسبوع إن توقعاتها القاتمة لشبابيك التذاكر في عام 2018 تحسنت “بشكل كبير”.
قد يصل إجمالي إيرادات شباك التذاكر إلى “مستوى ثابت” خلال الربع الأول بدلا من التراجع المتوقع بنسبة 12 في المائة، بحسب ما قال ليو كالب، المحلل لدى شركة آر بي سي، في مذكرة، بمساعدة حقيقة مفادها أن “أداء فيلم الفهد الأسود فاق توقعاتنا”.
يعمل الحماس الموجه للفيلم على توليد الأرباح من مصادر أخرى أيضا. الموسيقى التصويرية، التي قدمها مغني الراب كندريك لامار، تصدرت قائمة الألبومات وحققت مستوى قياسيا على مدى أسبوعين.
مبيعات الدمى والأقنعة والمنتجات الأخرى المرتبطة بالفيلم كانت قوية أيضا، وفقا لشركة هاسبرو وغيرها من شركات صناعة الدمى.
يؤكد نجاح فيلم الفهد الأسود التجاري الكبير على الفترة الزمنية التي احتاجها أكبر الاستوديوهات لإنتاج أفلام ذات ميزانية مرتفعة، في ظل وجود ممثلين وطاقم عمل رائد ومتنوع.
كما تحركت الأشكال الأخرى للإنتاج الفني بشكل سريع: أعمال السود تهيمن على الموسيقى التصويرية وموسيقى الهيب هوب، هي النوع الذي يبث بأكبر قدر عبر الإنترنت، مع تزايد الاستماع بنسبة تزيد على 74 في المائة في عام 2017، وفقا لموقع سبوتيفاي.
على التلفزيون الأمريكي، تميزت بعض أكبر الأغاني في السنوات الأخيرة، بدءًا من أغنية “إمباير” حتى “سكاندال” و”بلاكيش”، بوجود نجوم سود ومواهب في الكتابة، كجزء من جهود منسقة من خلال شبكات البث الرئيسة لإنتاج برامج تعكس المجتمع الأمريكي بشكل أفضل.
نتيجة مواجهتها لمنافسة من خدمات البث عبر الإنترنت، تبحث الاستوديوهات عن أنواع مختلفة من الأفلام التي يمكنها شغل دور السينما في الولايات المتحدة والأسواق الدولية المهمة بشكل متزايد.
على الرغم من أن صناعة الأفلام الأمريكية تخضع منذ فترة طويلة لهيمنة اعتقاد مفاده أن الأفلام التي تتميز بوجود طاقم غالبية أفراده من السود، لا يكون أداؤها جيدا في كل أنحاء العالم، إلا أن كثيرا من التنفيذيين قدموا حجة تدعم مزيدا من التنوع عبر الشاشة الكبيرة، كوسيلة للوصول إلى نطاق أوسع من الجماهير.
يقول بول ديراجاربيديان، كبير المحللين لدى وكالة كومسكور المختصة بأبحاث وسائل الإعلام: “كل فيلم يتمكن من كسر تلك الحواجز يكون قد اقترب أكثر من إمكانية شموله وإدراجه ضمن قائمة أفلام هوليوود الرئيسة.
إن كنتَ قد كبرتَ ولم تشاهد قط شخصا يشبهك عبر الشاشة، حينها ستكون قد شاهدت العالم من خلال أعين الناس. عندما يرى الناس أنفسهم عبر الشاشات، ستكون تجربة قوية جدا”.
شركة ديزني التي حققت أكثر من 6 مليارات دولار عالميا من خلال شباك التذاكر العام الماضي، بذلت جهودا مركزة لتنويع أفلامها سواء أمام الكاميرا أم خلفها، بدءًا من فريق التمثيل المتكامل عنصريا، والمكون من الدفعات الأخيرة من أبطال أفلام حرب النجوم وصولا إلى أفلام موانا المتحركة، استنادا إلى أساطير بولينيزية، وحتى الفيلم المقبل: “تجعيد عبر الزمن”، والذي أعادت فيه المخرجة الأمريكية من أصل إفريقي إيفا دوفيرناي تخيل البطلة التي تنقذ العالم، على شكل فتاة يأتي والداها من عرقين مختلفين.
توصلت دراسة جديدة حول التنوع في هوليوود من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس إلى أن الأفلام المتنوعة نسبيا (التي يكون فيها أفراد الطاقم التمثيلي من ممثلي أقلية عرقية بنسبة 21 إلى 30 في المائة) تنتج مبيعات تذاكر أعلى.
قال التقرير: “الجماهير المتنوعة بشكل متزايد، بحسب ما تظهر الأدلة، يفضلون المحتوى التلفزيوني والسينمائي المأهول بشخصيات يستطيعون التواصل معها، وتقود قصصهم إلى السرد”.
الجماهير من غير البيض لهم نفوذ على شباك التذاكر: يمثل الملونون 40 في المائة من سكان الولايات المتحدة، لكنهم يشترون أكثر من نصف التذاكر مقابل حضور خمسة من أعلى عشرة أفلام، تحقق أرباحا عالمية قياسية في عام 2016، وفقا لدراسة جامعة كاليفورنيا.
شمل ذلك فيلم كابتن أمريكا: الحرب الأهلية، وهو فيلم آخر من أفلام الأبطال الخارقين من إنتاج مارفل، جرى تمثيله ضمن نفس المجال الذي تجري فيه أحداث فيلم الفهد الأسود.
مع ذلك، تشير البحوث إلى أنه لم يتم إحراز سوى تقدم متواضع باتجاه تصوير تركيبة الجماهير المعاصرة.
في الوقت الذي زادت فيه نسبه الأقليات على مدى سنوات في عدد من فئات التوظيف، بما في ذلك الأدوار الرائدة في بث التلفزيون ومنتجي البرامج عبر خدمات البث مثل نيتفليكس وأمازون، إلا أنها لا تزال تعاني تمثيلا متدنيا مقارنة بعدد السكان ككل، في كل فئة شملتها الدراسة. كما أن تمثيل المرأة متدن أيضا في كل أنحاء الصناعة، بحسب ما توصلت إليه الدراسة.
بالكاد زاد عدد المخرجين السود ممن أُعطوا مسؤولية أفلام كبيرة – 12.6 في المائة في عام 2016 مقارنة بـ12.2 في المائة في عام 2011. كما ارتفعت النسبة المئوية للأقليات التي حصلت على أدوار تمثيل بطولة من 10.5 في المائة إلى 13.9 في المائة في نفس الفترة الزمنية.
هذا النقص في التمثيل وقع تحت تركيز حاد في السنوات الأخيرة في حفل توزيع جوائز الأوسكار، لأن الاستبعاد الروتيني للأشخاص الملونين من الحصول على أكبر الجوائز في هذه الصناعة بلغ أوجَه في عامي 2015 و2016، ففي كليهما لم يتم ترشيح أي من الأشخاص السود، لنيل جائزة في أي من فئات التمثيل.
صاغت الناشطة إبريل رين وسم #الأوسكار_ ناصع_ البياض عبر موقع تويتر، حيث أدى ذلك إلى توليد حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما حدا بكل من سبايك لي وجادا بينكيت سميث إلى مقاطعة الاحتفال في 2016.
الأكاديمية، التي يشكل أعضاؤها من البيض ما نسبته 87 في المائة والذكور 72 في المائة، تعهدت بأن تصبح أكثر تمثيلا لمختلف أعراق وفئات المجتمع، وحددت هدفا يتمثل في مضاعفة عدد الإناث والأعضاء من غير البيض بحلول عام 2020.
قال جون بايلي، مصور سينمائي تم تعيينه كرئيس للأكاديمية في آب (أغسطس) الماضي لصحيفة نيويورك تايمز: “من رأيي أن مبادرات الأكاديمية كان يجب أن تتم منذ زمن طويل”.
جوائز الأوسكار في السنة الماضية قدّمت صورة مختلفة. فيلم ضوء القمر تفوق على فيلم مفضل هو: “أرض لا لا” في الحصول على جائزة أفضل فيلم.
قائمة المرشحين لجائزة أفضل ممثل لهذا العام تشمل أسماء مثل دينزل واشنطن ودانييل كالويا وأوكتافيا سبنسر وماري بلايج.
وكان في الإمكان ذهاب جائزة الأوسكار لأفضل مخرج إلى أول كاتب أمريكي أسود، وهو جوردان بيل، على فيلمه “اخرج حالا”، أو ثاني امرأة على الإطلاق، وهي جريتا جيرويج، عن فيلمها “ليدي بيرد”.
تلقى بيل الثناء المتمثل في ترشيحه لجائزة أفضل مخرج، وأفضل سيناريو أصلي وأفضل فيلم، وهي جميعا مقابل أول أفلامه. فيلم الفهد الأسود، بعد إطلاقه هذا العام، مرشح لجوائز أوسكار العام المقبل. وسواء كان ظاهرة ثقافية أم لا، فسوف يتعين عليه بعد ذلك أن يتعامل مع ازدراء الأكاديمية التقليدي لأفلام البطل الخارق