سوليوود «خاص»
طالعتنا خلال عام 2019 مجموعة مميزة من الأفلام العربية ذات الطابع العالمي، والتي جابت بما تحمله من أفكار وجودة فنية آفاق عديد من المهرجانات والفعاليات الفنية، نذكر على سبيل المثال “كفر ناحوم” للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، و”المرشحة المثالية” للسعودية هيفاء المنصور، و”سيدة البحر” للسعودية كذلك شهد أمين، وأخيراً وليس آخراً “ستموت في العشرين” للسوداني أمجد أبو العلاء، والذي نال جائزة “أسد المستقبل” من مهرجان فينيسيا السينمائي في دورته الـ 76، حيث وقف النقاد والجمهور لدقائق تحية للفيلم، حسب موقع “روسيا اليوم” وكبرى الصحف الإخبارية.
في فئة الأفلام الروائية الطويلة نال الفيلم كذلك النجمة الذهبية في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الثالثة، وقد كانت فرصة جيدة للاحتفاء به عربيا، حيث عبر كثير من النقاد والمشاركين عن سعادتهم بمشاهدة فيلم سوداني بمثل هذه الجودة.
الفيلم للمخرج السوداني أمجد أبو العلاء، وهو التجربة السينمائية الأولى له، على الأقل على مستوى الأفلام الروائية الطويلة، حيث جاء استناداً وترجمة لرواية “النوم عند قدمي الجبل” للكاتب السوداني حمور زيادة.
تدور أحداث الفيلم حول النبوءة وما لها من تأثير عميق في مجتمع بدائي ما زال بنوه يتشحون بالفطرة والتفسيرات الأسطورية للأمور، إذ ترزق إحدى الأسر بمولود جديد، ومن باب البركة المطلوبة لوليدهما يقوم الوالدان بالذهاب إلى أحد الشيوخ التقليديين، الذي يخبرهم في الأخير أن ابنهم محدود العمر معلوم النهاية، في العشرين من العمر سيقضي نحبه وستفارق روحه جسده، وبهذه الفكرة تتفتح مفارقات وأجواء يفترض أنها مثيرة حتى وصول الابن إلى العشرين.
الفكرة ليست جديدة فقد جرى طرحها فعلياً على الأقل في إحدى الأفلام العربية تحديداً فيلم “الكف” للمصري محمد حسيب والذي تم إنتاجه عام 1985، حيث بطل الفيلم “مختار” الذي يجسد دوره الفنان فريد شوقي، يتعرض ابنه في يوم زفافه لرصاصة طائشة ترديه قتيلاً، يعود الأب بالذاكرة إلى الوراء ليكتشف أن أحد العرافين قرأ كفه وأخبره أنه سيرزق بثلاثة أبناء جميعهم سيموتون يوم زفافهم، لتبدأ من تلك اللحظة المفارقة، بين الاستناد للصدفة في تبرير ما حدث، وفي الخوف المفرط في استمرار موت ابنيه المتبقيين، لكن يفترق هذا الفيلم عن الفيلم السوداني، في ذلك العمق الذي يحاول به الأخير تجلية الأمر، فضلاً عن الروح الشاعرية التي ينبض بها مجمل العمل، بالإضافة إلى اختلاف تصنيف الفيلمين، فالكف يميل أكثر إلى الخيال والمبالغة الباحثة عن الإثارة، في حيث “ستموت في العشرين” يبحث عن الدراما والمفارقات والرسائل الضمنية العميقة.
ستموت في العشرين تميز بعدة عناصر هامة رشحته وأوصلته إلى تلك الحفاوة والجوائز التي نالها، ربما أولها هي تلك الصورة البصرية النابضة بالشاعرية، والتي ساعدت في رسمها مواقع التصوير المختلفة التي برز فيها النيل كعامل أساسي، فضلاً عن بعض الأماكن ذات الامتدادات البصرية المتسعة الغير محدودة، والتي تعطي انطباعاً عاما يسبح بصاحبه بعيداً إلى حيث مواطن الشجن والتأثر.
بالإضافة إلى الشاعرية التي أضفتها مشاهد العمل وصورته السينمائية المشرقة، تظهر مسوغات أخرى خارجة عن تفاصيله الفنية، مثل كون هذا العمل هو الأول من فئة الأفلام الروائية الطويلة لمخرجه أمجد أبو العلاء، وهو ما بث في نفوس الجميع انبهاراً بكافة ما يبزغ فيه من إيجابيات، في حين خفتت في أعينهم السلبيات وربما تلاشت.
أما العامل الثالث الذي ساهم في وضع العمل لدى كل هذه الحفاوة التي قوبل بها، هو البيئة والدولة التي ينتمي إليها، فالفيلم بالنسبة للسينما السودانية هو السابع في تاريخها بالنسبة لفئة الأفلام الروائية، والأول منذ عشرين عامًا، وهو أمر ألقى بظلاله على أحكام النقاد والمشاهدين، فنحن فعلياً في شوق لأي فيلم سوداني يعبر عن هذا المجتمع ويشرّح طبقاته ويبين طيبته وتناقضاته، دعم العمل كان واجباً على الجميع أملاً في مشاهدة أفلام سودانية أخرى تتلوه على نفس النمط الرائع من الجودة والفكرة والتصوير.
بالطبع لا يخلو الفيلم من ضعف، حيث يمكن ملاحظة المستوى التمثيلي الضعيف لأبطاله، وعلى الأخص بطله مزمل، في حين تبرز مواطن ضعف أخرى تتعلق بعدم استثمار فكرته المميزة في طرح فكري وفلسفي عميق يناقش معنى الموت في مقابلة الحياة أو الهبوط والارتفاع في الأسرة على المستوى النفسي، حيث جاء الأمر سردياً يغلب فيه الاستسلام للفكرة وانتفاء المفاجآت، إلى أن تهادى الفيلم من نهايته حينها بدأت المياه تجري والمواقف تتبدل.
إن الجانب النقدي لا يختص بإظهار العيوب والإيجابيات، وإنما يفترض به أن يكون عاطفياً نوعاً ما بذلك القدر الذي يدفعه لدعم فيلم مثل “ستموت في العشرين” فيلم تم إنتاجه بإمكانيات بسيطة ويمثل بالنسبة لسينما بلاده بارقة أمل على هديها سنرى حتماً أفلاماً أخرى تتلوه ربما على صورة أكمل وأفضل.