سوليوود «القاهرة»
برزت فى الآونة الأخيرة مجموعة من الأعمال السينمائية التى تتبع طريقة مبتكرة تدعى «السينما الحية ــ Live Action»، تستخدم فى إظهار الشخصيات الكارتونية والحيوانية، فى صورة حية لتظهر وكأنها أفلام التقطت من واقع حقيقى بدلا من استخدام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، التى تظهر لنا على أنها صورة ملونة يتم تحريكها بطريقة تكنولوجية، وذلك كما ورد في صحيفة الشروق المصرية.
وبدأت تقنية «لايف أكشن» فى الظهور بالعديد من الأفلام خلال السنوات الماضية، لكنها كانت تستخدم لإظهار شخصيات أحادية فى الأفلام مثل شخصية الفيل فى فيلم «دامبو ــ Dumbo»، وشخصية النمر فى فيلم «حياة باى ــ life of pi»، استخدم صناع السينما، تطور تقنيات الـ«CGI» لتجسيد الحيوانات والكائنات الخيالية، عن طريق تطبيق لابتكار مشاهد ثابتة أو متحركة، ثنائية وثلاثية الأبعاد.
اتجهت شركة «ديزنى» فى الآونة الأخيرة لإعادة إحياء أعمالها الأسطورية التى حققت نجاحا كبيرا بتقنية «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، عن طريق تطبيق تقنية «لايف أكشن»، التى تستخدم التصوير الفوتوغرافى بدلا من الرسوم المتحركة المصنوعة أو الدمج بينهما لإنشاء فيلم كامل.
فهل من الممكن أن تستخدم تقنية «لايف أكشن» فى مصر لصناعة أفلام تنافس ما يشبهها عالميًا؟، تواصلت «الشروق» مع خبراء صناعة الرسوم المتحركة والنقاد فى مصر لمعرفة مدى إمكانية تطبيق تلك التقنية فى مصر، وما الذى تحتاجه هذه الأعمال لتخرج إلى النور؟
فقال الدكتور مصطفى الفرماوى، مخرج مسلسلات الرسوم المتحركة المصرية للأطفال، أن تقنية «لايف أكشن» متواجدة بالعالم منذ فترة، قبل صناعت فيلم «The Lion King» بكثير، و«ديزنى» بدأت باستخدام هذا التقنية قبل 15 عاما ولكن ليس بنفس التطور الذى نشهده اليوم، وقدمت العديد من التجارب بها قبل ذلك فى «كتاب الأدغال ــ Jungle Book»، أما فى مصر فنحن نمتلك قدر كبير من الأيدى العاملة ومن يستطيعون العمل على تلك التقنية، ولكننا نفتقر إلى الإمكانيات الازمة لها، وأهمها أجهزة «الريندر»، فتلك التقنية تحتاج إلى أجهزة عملاقة وفائقة القوة، ونحن فى مصر لا يتاح عندنا تواجد مثل هذه الأجهزة، فصناعة «فريم» واحد بتقنية «لايف أكشن» على أجهزة «الريندر» الموجودة بمصر يأخذ أكثر من 30 دقيقة، والثانية بها 25 «فريم» والدقيقة بها 1500 «فريم»، فتخيل كم تحتاج من الوقت ليخرج لك منتج مثل ذلك للنور، كما أن عدد من يعملون بتلك الجزئية ليس بكبير.
أضف إلى ذلك أننا حتى هذا الوقت لم نصنع فيلم «3D» أو «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن» مصرى، يمكن أن نحوله إلى فيلم واقعى عن طريق تقنية «لايف أكشن»، وكل ما صنعناه فقط هو أعمال تلفزيونية، وهذا سببه خوف الشركات المنتجة من إنتاج أعمال «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، لما بها من مخاطرة كبير، لأن أرباحها غير مضمونة وهم يهتمون فى المقام الأول بالربح، فأعمال «الأنيميشن» التى تنتجها أمريكا تحقق أرباحها قبل أن تعرض خارجها، فالعرض الخارجى لها لا يضيف لهم كثيرًا، فمكسبهم الأكثر يحصلون عليه عندما يعرضون بالـ55 ولاية الأمريكية.
وتقنية «لايف أكشن» موجودة بمصر وتستخدم ولكن فى إعلانات صغيرة جدًا، فهناك إعلان لأحد المنتجات، يجسد دبا يتحدث ويمارس حياة طبيعية، وآخر به قرد، فالتقنية تم استخدامها فى مصر، ولكن صنعت بأى شكل وبأى كمية وبأى طريقة هذا هو المهم.
وأضاف «الفرماوى» أن ثقافة مشاهدة أفلام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن» غير موجودة عندنا بمصر، فالجمهور يعتبرها للطفل فقط، على عكس الصناعة بأمريكا، فأفلام «الأنيميشن» تنافس وتحصل على جوائز الأوسكار، فى الإخراج والموسيقى والأداء الصوتى وغيرها، وتناطح الأفلام الدرامية، ويصنع منها ما هو مناسب للشباب، تحتوى على مشاهد عنف وقتل وجنسية وغيرها، مما يجعلها غير مؤهلة تمامًا لفكرة أنها مصنوعة لأطفال ولكنها موجهة للشباب ويوجد لها جمهور كبير.
وتابع «الفرماوى» يوجود أفلام رسوم متحركة كثير تناسب العائلة يشاهدها الطفل ويستمتع بها وتحمل رسائل تزرع فيه قيما أخلاقية كثيرة، وتشاهدها عائلته إلى جانبه وتستمتع بها ولا تمل وتضجر منها، فتحقق معادلة صعبة وهى صناعة عمل مناسبة تستطيع الأسرة أن تتجه بأكملها إلى قاعة السينما لمشاهدته وتستمتع به ولا تسمع لفظا لا يناسبهم ويخدش حياءهم، وهذا ما لا نملك فى مصر وهو السبب الرئيسى لخوف المنتجين من صناعة أفلام «أنيميشن».
وضرب «الفرماوى» مثلًا عندما كان يقدم مسلسل «قصص القرآن» للدكتور يحيى الفخرانى، فقال إنها كانت لا تستهدف الطفل فى الأساس، ولكن الأسرة لأنها تحتوى على مفاهيم أكبر من عقل الطفل، وتفسر القرآن الذى هو ما يتوجب على الأب والأم فهمه، فكان الناس يقولون كنا نشاهد «قصص القرآن» مع أبنائنا ونستمتع به، ويستحون أن يقولوا إنه مناسب لهم ومن الطبيعى أن يشاهدوه، فيربطون وجود أطفالهم بمشاهدته، فالثقافة الموجودة عندنا أننا ككبار نشاهد «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن» على استحياء مع أطفالنا، ولكن هذه الثقافة بدأت تتغير عند الناس، لأنه أصبح الآن توجد أعمال تستقطب الكبار، وأصبحت الصناعة متطورة وليست مجرد ألوان ورسوم كارتونية، وأصبحت تشاهد فيلم «لايف» وطبيعى جدًا.
وتابع قائلًا إن القصة بأكملها فى المنتج، الذى يوجد عنده الاهتمام لصناعة عمل مثل هذا وتسويقه جيدًا، لكى ينجح ويجنى أرباحًا، وأن يطرحه خارج مصر أيضًا، وأن يكون مدركا جيدًا أنه ليس مطلوبا منه منافسة «ديزنى»، فأوروبا لا تنافس «ديزنى»، بالإضافة إلى أن الإنتاج التلفزيونى أصبح يضمحل وبدأت تقل الأعمال الكارتونية والرسوم المتحركة فى مصر، حتى مع افتتاح الكثير من القنوات الخاصة، فلم يفكر أحد فى تقديم عمل للطفل لتنمية ثقافته وربطه بالبيئة المصرية وأن نحافظ على هويته وأخلاقه، بما فى ذلك الدولة فلم تعد تسعى للاهتمام بالطفل عن طريق إنتاج أعمال مناسبة له، فمثلًا مسلسل «بكار» كان هناك به اهتمام كبير من الدولة من إنتاج وتسويق وعرض مناسب حتى حقق نجاحا كبيرا، فدور الدولة هو الأساس، على سبيل المثال «ديزنى» كانت تصنع فيلم «سنو وايت» أيام الحرب العالمية الثانية، لإدراكهم أهمية قيمة تربية الطفل مع شىء يرتبط به ويؤثر فيه بشكل قوى، فالأطفال يقضون أكثر أوقاتهم يشاهدون أفلام الرسوم المتحركة، التى تعلق بذاكرتهم وعقولهم، فالطفل بعد مشاهدة أى عمل تجده يقلد شخصية بطل فيلم «الأنيميشن»، ويحاول تقديم ما لا يستطيع إيصاله إلى الطفل عن طريق المدرسة بأفلام الرسوم المتحركة، ونحن فى مصر نحتاج من يدعم ذلك، فى الماضى كنت تجد مكتبة الأسرة، والتلفزيون المصرى ينتج أكثر من عمل ويهتم بالأعمال التى تنمى من ثقافة الطفل وأخلاقه، أما الآن أصبح الجميع يتجه نحو الجانب التجارى ويبحث عن ما يدر عليه الأموال.
مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن الإمكانيات التقنية والأيدى العاملة فى الرسوم المتحركة، أصبحت أفضل على جميع الأصعدة عن ذى قبل، إلا أن ثقافة إنتاج هذه الأعمال أصبحت فى اضمحلال، وأصبح لا يوجد من يهتم لا بعرضها ولا تسويقها ولا بصناعتها، وأصبحت جهات العرض تهتم بالأعمال التى تجذب الإعلانات التى هى مصدر الدخل الرئيسى لهم.
بينما قال بشير الديك مؤلف ومخرج فيلم «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، «الفارس والأميرة» بطولة مدحت صالح ودنيا سمير غانم، إن تقديم عمل بتقنية «لايف أكشن» فى مصر مستحيل لأنه يحتاج الكثير، ففى البداية نحن لا نمتلك فى مصر أصلا عملا يمكن أن يعاد تقديمه بها، فالسينما تعمل لحساب الإعلانات ولا يوجد سوى عدد محدود جدًا من الأفلام الجيدة فى السوق، ففى السنة يقدم على سبيل المثال 20 فيلما، تجد منها 2 أو 3 فقط صالحة للمشاهدة.
مضيفًا أنه لا يمكن صناعة أفلام بتقنية «لايف أكشن» إلا فى أمريكا، لأنها تكلف الملايين، فلا يعقل أن نحاول أن نصنع فيلم ليقارن بـ«The Lion King» مثلًا، ونحن ينقصنا كل شىء، من أيدٍ عاملة وأموال وشجاعة لإنتاج فيلم «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، كما أننا نحتاج إلى كم هائل من أفلام «الأنيميشن» الجيدة لكى تستطيع أن تنتقى منها ما يمكن أن يقدم بتلك الخاصية، فنحن لا نمتلك حتى أساسيات صناعة أشياء مماثلة.
ومشيرًا إلى أن لدينا فهما خاطئا لأفلام «الأنيميشن»، فهى لا تقدم فقط للطفل ولكن تقدم أيضًا للكبار، فأفلام «الرسوم المتحركة» فى الخارج يشاهدها جميع الناس ولا يخجل الشخص أن يحجز تذكرة سينما لمشاهدة فيلم «أنيميشن»، وذلك يرجع إلى وجود متخصصين فى صناعة الرسوم المتحركة، وتكنولوجيا وأجهزة المتطورة، أنتجت كثيرا من الأفلام، رسخت من ثقافة مشاهدة أفلام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، أما عندنا فى مصر إذا قارنت السينما الموجودة حاليًا بفترة الثمانينيات، تجد أن الثمانينيات أفضل، فنحن نرجع إلى الوراء لا نتقدم، لكن بالرغم من ذلك يوجد أشخاص جيدون منهم مروان حامد وشريف عرفة، ولكن هذه «فلتات فى القاعدة العريضة الضعيفة والركيكة»، ففى البداية يجب علينا أن نقوى بصناعة السينما ثم نفكر فى تطبيق مثل هذه التقنيات، ويجب علينا أن ننزع من الفن وصناعة السينما أى شىء له علاقة بـ«السبوبة».
فيما قال الناقد أندرو محسن، إنه لا يوجد أى عمل يمكن أن يطرح بتقنية «لايف أكشن»، فنحن فى مصر لم نصنع أى فيلم «رسوم متحركة ــ أنيميشن» حتى الآن، ففكرة «لايف أكشن» تعتمد فى الأساس على تحويل «الرسوم المتحركة» باستخدام بعض العناصر الحية، مثل فيلم «الجميلة والوحش ــ Beauty & The Beast»، و«100 مرقش ومرقش ــ 101 Dalmatian»، فـ«ديزنى» لديها تراث جيد من الأفلام استطاعت أن تختار منه ما يمكن أن تطبق عليه تقنية «لايف أكشن» عندما أصبحت متواجدة، أما نحن فنخطو أول خطوة فى إنتاج أفلام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن» هذا العام، مما يجعل فكرة استخدام تقنية «لايف أكشن» تبعد عنا مئات السنين.
مضيفًا أن استخدام تقنية «لايف أكشن» يعد خطوة لإحياء فيلم من تراث «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، ونحن لا نمتلك تراثا فكيف سنستخدمها، فلا يوجد أساس يمكننا البناء عليه، فنقول إننا نحتاج إلى التمويل أو التقنيات الحديثة على سبيل المثال، وهذا يرجع لأن صناعة أفلام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن» مكلفة جدًا وتحتاج إلى أجهزة متطورة بالإضافة إلى أنها تستغرق الكثير من الوقت ليتم انجازها، وفى النهاية يجب أن يكون لها مردود، أفلام «ديزنى» تكلف مئات الملايين من الدولارات، ويتم تسويقها وتوزيعها جيدًا فتكسب أكثر مما أنفق عليها بكثير مما يجعلها تستمر.
متابعًا أننا إذا أردنا أن نصنع أفلام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن» فى مصر، فيجب أن تضخ أموال طائلة لصناعتها لتضاهى فى كفاءتها أمثالها من الأفلام الأجنبية ولتوجد احتمالية لنجاحها، أما إذا كانت بكفاءة أقل فلن يقبل عليها الجمهور مما يجعل خسارتها مؤكدة، وبالنهاية تعتبر تلك مجازفة فأنت لا تملك قاعدة جماهيرية تخبرك ما احتمالية نجاح أفلام «الأنيميشن»، فعلى سبيل المثال فيلم «علاء الدين» هو قصة مستوحاة من «1000 ليلة وليلة»، فهل يمكننا أن ننفذه بنفس الجودة التى يوجد عليها الآن؟ ونوزعه جيدًا حتى يتمكن أن يجد من يدفع قيمة مالية لتذكرة لمشاهدته.
وأضاف أندرو أنه من الممكن أن نشاهد بعد فيلم «الفارس والأميرة» محاولات أخرى لصناعة أفلام «الرسوم المتحركة ــ الأنيميشن»، فصناعة السينما فى مصر أصبحت تتجه لأنواع لم تكن موجودة لدينا من قبل أو كانت موجودة ولكن بشكل صغير جدًا وتفتقر إلى الجودة مثل صناعة أفلام الرعب، ومن الممكن أن يتقبلها الجمهور شريطة أن تكون جيدة فالمشاهد أصبح مدربا ولا يمكن أن تضحك عليه.