سوليوود «الرياض»
ترى المخرجة السعودية جيجي حزيمة أنه ينبغي للسينما السعودية البدء في بناء صناعة أفلام محلية والتركيز على الفيلم المستقل وتقديمه للمشاهد السعودي كفن سابع وليس مجرد جرعة من الترفيه الاستهلاكي السريع، وذلك كما ورد في موقع أريبيان بزنس.
وفيما يلي مقتطفات من حوار أخير تم إجراؤه معها:
انطلقت صناعة السينما السعودية بخطواتها الأولى وهناك فرص كبيرة واعدة ومواهب ومنتجين وقاعدة واسعة من المشاهدين، هل تفكرين في المساهمة في هذا السوق السينمائي بأعمال تستهدف المشاهدين هناك؟
أنا سعيدة جدًا برؤية الخطوات الإيجابية التي اتخذت في المملكة العربية السعودية بخصوص بالسينما. ويشرفني أن تتاح لي الفرصة لأصنع فيلما يستهدف الجمهور السعودي طالما أنني أمسك بزمام السيطرة الإبداعية على القصة بالكامل حتى أقدم قصة أصيلة عن شخصية سعودية أنوي بها تعريف المشاهدين السعوديين بفن السينما من خلال قصص تخصهم وتعنيهم ووفق أسلوب مغاير في سرد القصة.
أي نوع من السينما ستختارين في حال إخراجك أفلام للمشاهدين السعوديين؟
أنا من عشاق المدرسة الواقعية الإيطالية الجديدة، وأعتقد أن المشاهد السعودي سيستمتع بمشاهدة هذه الأنواع من الأفلام. سيكون أمرًا رائعًا إن عُرضت هذه النوعية من الأفلام في دور السينما في المملكة العربية السعودية. أعتقد أنه من الضروري للحراك السينمائي في السعودية البداية بأفلام الفن لا أفلام الفشار.
هناك شيء من التباين بين السينما التجارية والسينما المستقلة، ويمكن أن نلاحظ أن أذواق أغلب المشاهدين في السعودية قد جرى تشكيلها بسبب علاقتهم الطويلة بالسينما التجارية، مثل هوليوود وبوليوود، وباتوا يساوون بين ارتفاع ميزانية الفيلم مع قيمته الفنية العالية. وهذا حال المشاهدين في أي مكان لم يتعرضوا فيه إلى السينما المستقلة من قبل. كيف تعالجين هذه المساواة الخاطئة بين الميزانية المرتفعة والقيمة الفنية العالية؟
هذا سؤال صعب جدًا لأنه عند تقديم الترفيه للمشاهدين يجدر تقديم وجبة جديدة ألا وهي السينما المستقلة. والذين يحددوا هذا الأمر هم صانعو قرارات عرض الأفلام. ويتعلق الأمر أيضًا بالتثقيف وتأصيل الفن في حياتنا. وأنا لا أعني هنا الفن السعودي أو العربي أو الإسلامي فقط، إذ نحن بحاجة إلى الانفتاح فنيًا. وقد بدأ حراك القيادة الجديدة بتدارك هذا الأمر. لكننا نحتاج إلى ترسيخ الفن حتى نفهم ذلك. المفارقة الغريبة في كل هذا هو أن السينما العظيمة جاءت بعظمتها من بلدان شهدت مراحل من الشقاء والحروب والمعاناة. لذلك أعتقد أنه من الطبيعي ألا ترتبط بلدان مثل السعودية كثيرًا بهذا النوع من السينما. الأمر برأيي يحتاج إلى تثقيف ومزيد من الوقت. ويجب على المخرجين السعوديين أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وفي القصص التي يسردونها وألا يتبعوا الأعمال الباهرة من الأوسكارات الفائزة. لأنه لأجل الفوز بجائزة فإننا سنضطر إلى إرضاء أناس آخرين. الفنان يحتاج إلى إرضاء نفسه. الفن عقيدة لا حملة أسهم. وأنا أعمل وفق قناعتي ولا أسعى إلى إرضاء أحد.
ما قلتيه يعتبر تحديًا لصانعي الأفلام السعوديين بالنسبة للفيلم المستقل. لكن يمكن رؤية مخرجين عالميين عملوا في إخراج الفيلم التجاري من دون إخلال بأمانتهم الفنية. ربما هذا يعد مثالا جيدًا ينبغي التعمق فيه؟
هذا صحيح، ومنهم المخرج بيلي ويلدر الذي كان صانع أفلام حقق أعمالاً ناجحة مثل «سانسيت بوليفارد»، لكن كان يسخر من نهجه دائمًا، حتى أنه قال بأن المشاهد الأمريكي ساذج مثل طفل عمره 12 سنة. لذلك عندما يشهد بلد تجربة فيها كثير من الشقاء، يصبح الناس أكثر انفتاحًا على الأفلام المستقلة. أنا لا أتمنى أن يحصل ذلك في أي بلد، لكن ما أقوله هو رغم أن ويلدر كان تجاريًا إلا أنه نجح فنيًا. وهذا يعد حالة استثنائية في صناعة الأفلام. بالتالي، أتمنى للناس في السعودية الإقبال على مشاهدة الفيلم السعودي الذي أخرجه شخص مولود ومعروف في السعودية. عندها فقط نستطيع القول بأنه لدينا سينما سعودية. وفي حالة قررت إخراج فيلم سعودي فإنه يقع على عاتقي مسؤولية العودة إلى السعودية وأن أصبح فردًا سعوديًا بحق، أي أصبح صانعة أفلام سعودية.
أنت كامرأة سعودية قد اختبرت التغيير في حياتك على المستوى الشخصي والتطور من خلال مواجهة أمور جديدة بسبب انتقالك للعيش في الغرب. ربما هذا يقارب ما يمكن للسعودية أن تفعله في هذه المرحلة. ويبدو أن السينما هي وسط ملائم لطرح أسئلة من قبيل: من نحن كمجتمع؟ وماذا نريد لقيمنا أن تكون؟
هذا صحيح تمامًا. يدرك السعوديون الآن أهمية السينما لبلدنا وتاريخنا لأنها أفضل طريقة لتوثيقه وبث الحياة فيه باعتبار أن السينما لن تموت أبدًا. إن حقيقة انطلاقنا بسرعة كبيرة في مجال السينما واستثمار الأموال الضخمة هي خطوة إيجابية. وأود أن أشكر الأمير محمد بن سلمان لإعطائنا الفرصة كي نشهد الولادة الحقيقية للسينما في المملكة العربية السعودية. كمخرجة سعودية، أتمنى بحق أن كافة التطورات الحاصلة في المملكة مؤخرًا سترسخ القيم الفنية في المجتمع السعودي حتى نتمكن من إيجاد سينما سعودية قوية وحقيقية.
ما الأعمال السينمائية والمخرجين الذين أثروا بك؟
أنا من محبي أعمال المخرج السويدي إنجمار بيرجمان، حيث كان لأعماله تأثير كبير على حياتي وأفلامي.
وتأثرت بالمخرج الألماني رينر فاسبيندر خاصة بعد مشاهدة فيلمه «الحب أبرد من الموت» والذي أعطاني فكرة لاحقة عن كيفية سردي للقصة بطريقة شخصية جدًا. وهناك أيضًا أعمال المخرج آندريه تاركوفسكي ورومان بولانسكي وبيلي ويلدر.
لم كان لأعمال بيرجمان تأثير عليك كصانعة أفلام؟
ما أعجبني في أعماله هو استثارتها لأسئلة تتصل بداخلي كإنسان، مثل الصواب والخطأ، ويجذبني نهجه الفلسفي في السينما وخاصة في أفلام مثل «ضوء الشتاء» و»ساعة الذئب» والذي ألهمني عند إخراج فيلمي الأخير «هو ينتمي لنا» He Belongs to Us. أتذكر على الدوام كيف شعرت عند مشاهدة أفلامه للمرة الأولى والعواطف التي تملكتني. مثلاً، بعد مشاهدة فيلمه «صرخات وهمسات» أمضيت اليوم بأكمله وأنا أبكي وتملكني مزاج اكتئابي لعدة أيام لم أخرج فيها من البيت. لكنني عاودت مشاهدة الفيلم لأنني أردت معرفة ما الذي استثار تلك المشاعر، وتبين أنني تأثرت بالشخصيات وبرودتها وخيانتها والصور التي شاهدتها في الفيلم.
ما التحديات التي تواجهينها على وجه الخصوص باعتبارك مخرجة أفلام مستقلة؟
أعتقد أن صناعة فيلم بحد ذاته هو أمر صعب سواء كان بميزانية كبيرة أم صغيرة. بما أنني صانعة أفلام مستقلة وأعمل بميزانية صغيرة فإن هذا يعني أن المصاعب أصبحت مضاعفة. وتأمين التمويل هو أصعب جزء من صناعة الفيلم. فمثلاً استخدمت في صناعة فيلم «هو ينتمي لنا» مواقع التمويل الجماعي، لكن العملية لم تكن ناجحة جدًا. واضطررت لبيع البعض من مقتنياتي الشخصية وطلبت من الأصدقاء والعائلة تقديم الدعم للفيلم. الجانب الإيجابي للمصادر المحدودة هو توفيرها دافع أكبر لصانع الأفلام ورفع مستوى التحدي الإبداعي، وهو أمر يفتح الباب على احتمالات جديدة تتعلق بكيفية توصيل رؤيتك. وأفضل مثال في هذا السياق هو أسلوب الموجة الجديدة في السينما الفرنسية.