بقلم: جان لوك جودار
ترجمة: سومر جباوي
عندما نجيب على سؤال «ما هو الفن؟»، يقف النقد الحديث في حيرة تامة، لأنه يشعر بالقليل من الارتباك تجاه الأوهام المحيطة بهذا الفن. دعونا نتلمس من خلال مخطط بسيط لهذه الأوهام: صورة مرعبة يظهر فيها جلياً فشل الفن المعاصر. ألا تراه وقد ضعضع ما كان يعتبر لقرون عديدة بـ «كبرياء الفنانين العظماء»، وكل ذلك على أيدي «حرفيين» أكثر تواضعاً: وماذا عن فن «البورتريهات»؟. لقد تم تقديم حجج مضللة لتبرير هذه التجاوزات. أليس من الغريب أنه يجب علينا اليوم أن نعجب ونثني على المخطوطات الرصاصية للرسام «ماتيس» «Matisse» في نهاية حياته، و التي كانت في أيام «بوتيتشيلي» «Botticelli» و«تيتيان» «Titian»، حتى زمن «إنغريه» «Ingres» أو «دافيد» «David»، هي أساسيات يتعلّمها الرسامون في المدرسة؟
بالطبع يمكن للمرء أن يلوم «آراغون» «Aragon» على افتقاره للذوق، ويحتج على مديحه المفرط لفن الرسم السوفيتي، ولكن يجب علينا مع ذلك أن نصفق لمؤلفر«تانغو الحرية» لإدانته لما كان يكيل له المديح مسبقاً. إنه يرى أيضاً وبوضوح كبير إمكانيات الفن الحديث التي لا يمكن الا وان نثق بها. انطلقت الطموحات الميتافيزيقية في الصالونات. تلك هي الموضة. لكن لا تخطئوا في تقدير قوة الموضة. من أجلها، فإن الأفكار – مثل النساء – على استعداد لتشويه ذاتها. إنها يمكن أن تجعل الشباب ساخرين والجمال محفوف بالمخاطر. هذه التعارض الغريب بين الفنان والطبيعة هو الأكثر سخفًا، الأكثر عبثية، بهذا المعنى، فإن لا «مانيه»«Manet» ولا «شومان»«Schumann» ولا حتى «دوستويفسكي» «Dostoievsky»، كانوا قادرين على تخيله. إنها رواية بسيطة، تجعل من غموضها هدفها! إنها رسم بسيط، مكبل بخوف من التجسيد! بإختصار، سأمدح آراغون دون تحفظات عندما يستنكر المكاييل الأخلاقية المبهمة لعصرنا وفنه.
هل يمكن لشخص أن يشعر بالحرج تجاه الفن الديني الواقعي في السينما إذا لم تأكلنا الرغبة التعيسة في تغيير العالم؟ ولكن هنا، لا يعني الإبداع الفني رسم روح الإنسان في الأشياء، بل رسم روح الأشياء ذاتها. في فيلم “مدام بوفاري” للمخرج «جان رينوار»، هناك لحظة ثمينة عندما تخرج إيما وليون من الكنيسة، نستطيع أن نتنشق فجأة رائحة الحجر، ومعها نكهة الحياة المعتمة في روان وأحلام إيما المحبطة.
ومع ذلك فإن حقيقة أن منظر طبيعي يمكن أن يكون حالة ذهنية لا يعني بالضرورة أن الشعر هو حالة يتم التقاطها بالمصادفة فقط، كما يحاول المؤرخون ذوي الذكاء الزائد إقناعنا، بل تعني أن الترتيب الطبيعي يتطابق مع ذاك المتعلق بالقلب والعقل. لا تختلف عبقرية المخرج «فلاهيرتي» «Flaherty»، في النهاية، عن عبقرية «هيتشكوك» «Hitchcock» – يصطاد «نانوك» «Nanook» فريسته تمامًا مثل القاتل الذي يتتبع ضحاياه – ويرقد في وقت محدد مملوءاً بالرغبة ، بذنب المعاناة، والخوف والندم على المتعة، وافساح المجال لظهور تعابير الانزعاج الشخصي. يجذبنا الفن بما يكشفه عن أعمق أسرارانا الشخصية. هذا هو نوع العمق الذي أقصده. بالطبع، يفترض ذلك فكرة حول الإنسان تكاد لا تكون ثورية، والتي حذر من انكارها مخرجون كبار من أمثال «جريفيث» «Griffith» وصولاً إلى «رينوار»«Renoir». لذا، إجابة على سؤال «ما هي السينما؟»، سأجيب أولاً: إنها تعبير عن المشاعر النبيلة. «إتش. إل»