طارق البحار
عرض مهرجان الجونة السينمائي في دورته السادسة، مؤخرًا، الفيلم الفلسطيني «الأستاذ» للمخرجة فرح نابلسي، بعد أن حقق جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الثالثة، وهو من بطولة صالح بكري، ومحمد عبدالرحمن، ونبيل الراعي، ومحمود بكري، والممثلة البريطانية يموجن بوتس، وأندريا إيرفين، وبول هيرزبيرج، وستانلي تاونسيند.
يبدأ «الأستاذ» بنص يعلم المشاهدين أن الفيلم كان «مستوحى من أحداث حقيقية»، والأكثر وضوحًا أن هذا يشير إلى حالة جلعاد شاليط، وهو جندي في جيش الدفاع الإسرائيلي تم سجنه من قبل مسلحين فلسطينيين وإطلاق سراحه عام 2011 مقابل أكثر من 1000 سجين فلسطيني خلال الفيلم. ولكن على نطاق أوسع، فإنه يتحدّث عن التزام الفيلم بتصوير نضالات العيش في فلسطين في وقت الصراع الدائم، حيث يشكّل العنف والنزوح تهديدًا يلوح في الأفق باستمرار، وتبدو العدالة بعيدة المنال باستمرار.
على الرغم من أن القبض على شاليط وإطلاق سراحه، هو العمود الفقري لفيلم فرح النابلسي الروائي الأول، فإن نظيره في الفيلم، ناثانيال كوهين، هو مجرد أداة حبكة تحدث عنها أكثر مما رآه بنظرة خاطفة. وبدلًا من ذلك، فإن بطلنا هو باسم الخيالي تمامًا، وهو رجل فلسطيني يدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة صغيرة للبنين.
في وظيفته كان صارمًا، ولكن بصورة لطيفة، »باسم» رجل غاضب للغاية تجاه احتلال بلاده، ويكشف الفيلم ببطء عن علاقاته مع جماعة المقاومة السياسية الفلسطينية التي احتجزت كوهين في الأسر لمدة ثلاث سنوات، والتي اتهمته في النهاية بإبقاء السجين في منزله.
في ذكريات الماضي القصيرة، كان لباسم ابن وزوجة، ولكن عندما يبدأ الفيلم يعيش حاليًّا بمفرده في نفس القرية الصغيرة مع يعقوب وشقيقه الوديع آدم «محمد عبدالرحمن». توفي يعقوب ووالد آدم قبل عدة سنوات، وغالبًا ما يعمل الاثنان كأبناء بديلين لباسم، بينما يقوم بواجباته الأبوية تجاههما، ويحشد لدعمهما عندما يتم هدم منزلهما فجأة من قبل المستوطنين الإسرائيليين. ويشدّد على الصبر تجاه يعقوب المتهور، الذي لديه سجل إجرامي يلوح في الأفق. تحذيرات ثبت أنها مبررة بشكل مأساوي عندما واجه يعقوب مستوطنين يحرقون أشجار الزيتون في البلدة، فقط ليتم إطلاق النار عليه في هذه العملية. من تلك الحادثة التحريضية، يعد «الأستاذ» بقصة انتقام مدمرة عاطفيًّا!
النابلسي، التي ولدت وترعرعت في لندن لأبوين من فلسطين، متحمسة بشكل واضح لاستخدام عملها للفت الانتباه إلى الطريقة التي يؤثر بها العنف الإسرائيلي تجاه فلسطين على الحياة اليومية للمدنيين. لكن النوايا الحسنة لا تترجم دائمًا إلى رواية قصص قوية. وفي «الأستاذ» – الذي يشبه في كثير من الأحيان فيلمًا قصيرًا مطولًا بدلًا من فيلم طويل – النوايا الحسنة هي إلى حد كبير كل ما يظهر على الشاشة.
الديناميكية المركزية للفيلم هي بين باسم وآدم، الذي ترك مدمرًا بعد وفاة يعقوب ويشعر بالمرارة، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أنه من غير المرجح أن يتلقى قاتلوه عقابًا كبيرًا. عندما تبدأ القوات الإسرائيلية التي تبحث عن كوهين في تفتيش حيّهم، يكتشف آدم حياة باسم المزدوجة ويقحم نفسه فيها بالقوة، على أمل العثور على بعض الإحساس بالعدالة، والهدف باسم الذي يرى ابنه بوضوح في آدم الغاضب، يفعل كل ما في وسعه لإبقائه في الطابور، والدفع والجذب بين الاثنين هو المحرك لغالبية صراع الفيلم، لكن الكيمياء متوقفة. لا يوجد شعور حقيقي بالتاريخ المشترك بين الرجال، وينتج القليل من الاحتكاك أو التوتر الحقيقي عن حججهم.
بكري، الممثل الموهوب يفعل ما في وسعه بالمواد، لكن الوافد الجديد رحمن يكافح لإضافة بعد غير موجود ببساطة في نص الفيلم.
ينتقل آدم إلى منزل باسم، وتتم تغطية الأنشطة المنزلية الناتجة التي تقرب الاثنين من بعضهما البعض في مونتاج سريع ومتسرع يدفع رباطهما بعيدًا عن متناول الجمهور. تحظى العلاقات الأخرى بالكثير من الاهتمام، مثل قصة باسم الرومانسية مع ليزا «إيموجين بوتس». تشعر ليزا، وهي اختصاصية اجتماعية من بريطانيا مكلفة برعاية يعقوب، وكأنها شخصية أثرية إلى حد كبير من القفزة، وهي بديل جمهور غير ضروري باستثمار شخصي محدود في صراع الحياة أو الموت الذي يتورط فيه باسم وآدم. لكن الفيلم يصر على إلقائها معًا في مشاهد مع باسم، حيث يساعدها على البقاء في الحياة في الضفة الغربية ويأخذها في رحلات رومانسية بالسيارة لتذوق المأكولات المحلية. على الرغم من روعة ظهور بكري وبوتس على الشاشة، فإنهما يتمتعان معًا بكيمياء زميلين في العمل يتحدثان وجهًا لوجه لأول مرة في عشاء عمل.
مع الكثير من الوقت الذي نمر به في الفيلم مع الحبكة الفرعية الرومانسية، يعطي »الأستاذ» اهتمامًا قصيرًا للديناميكيات التي تحمل المزيد من الضرورة للقصة، مثلًا يتم عرض الخلفية الدرامية لباسم فيعدد قليلًا من ذكريات الماضي القصيرة الروتينية. يشارك أيضًا في العمل والدا كوهين، سيمون «ستانليتاونسند» وراشيل «أندريا إيرفين». اليهود الأميركيون الذين رفضوا هروب ابنهم للانضمام إلى الجيش الإسرائيلي «اختراع للفيلم؛ شاليط الحقيقي ولد ونشأ في إسرائيل»، يعبر الاثنان عن عدم ارتياحهما وتناقضهما بشأن تصرفات الحكومة الإسرائيلية، على الرغم من أنهما ما زالا يشتركان معهم للعثور على ابنهم.
في مناخ لا تمنح فيه وجهات النظر الفلسطينية حول الصراع سوى فرصة محدودة للعرض، من الصعب عدم تجذير فيلم مثل «الأستاذ» الذي يوفر توازنًا ضروريًّا. لكن الفيلم يكافح من أجل ترجمة أهدافه النبيلة إلى دراما مقنعة، مع أي استثمار للجمهور كونه مجرد منتج ثانوي للمخاطر العالية بطبيعتها.