د. أشرف عبدالرحمن
لم ينحصر الصوت في الفيلم السينمائي على الصوت الحواري فقط بين الشخصيات، ولكن هناك أصواتًا أخرى لا تقل أهمية عن صوت الحوار داخل الفيلم، وهي «الموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية»، حيث عملية دمج الصوت مع الصورة هي عملية مركبة ومعقدة وهامة، وتتم على مراحل متعددة وهي ما تسمى بعملية «المكساج». وقد ظلت عملية المزامنة والتوافق بين الصوت والصورة محور اهتمام ومنافسة بين الكثير من الشركات العالمية في بداية القرن العشرين لتمر بمراحل وتجارب عديدة منذ لحظة دخول الصوت إلى الفيلم السينمائي، فكان يتم تسجيل حوار الممثلين على شريط مغناطيسي، ثم يتم ضبط ذلك مع الحركة والصورة للفيلم لتوافق الصوت مع الصورة في المشاهد المصورة، ثم يتم بعد ذلك تسجيل الموسيقى التصويرية على شريط آخر منفصل تمامًا وبشكل متوافق مع مشاهد الفيلم أيضًا، ليأتي بعد ذلك مرحلة تسجيل صوت المؤثرات الصوتية التي يتم تسجيلها على شريط ثالث مع القيام بضبطها وفقًا لمشاهد الفيلم، على أن تأتي بعد ذلك عملية المكساج التي يتم فيها دمج هذه الشرائط الثلاثة «صوت الحوار – الموسيقى التصويرية – المؤثرات الصوتية» لكي تُدمج هذه الأصوات جميعها في شريط واحد مستقل يحتوي على كل ما يتعلق بالصوت، وهنا نصل للمرحلة الأخيرة وهي القيام بطبع نيجاتيف مجمع الصوت مع نيجاتيف الصورة لتخرج النسخة النهائية للعرض.
وحرفية المكساج هنا ليست مجرد تجميع عناصر الصوت المختلفة على شريط واحد فقط، ولكن الأهم هو ضبط مستوى الصوت أيضًا بين هذه الأصوات وتضافرها مع بعضها البعض بشكل متوافق مع المشهد، فأحيانًا تعلو الموسيقى التصويرية في فترات الصمت، وأحيانًا أخرى تعلو المؤثرات الصوتية للتعبير عن حالة معينة داخل المشهد، بل ويتم انتقاء أصوات المؤثرات الصوتية التي تخدم المشهد الدرامي. ففي الواقع الذي نعيشه، على سبيل المثال، قد نسمع صوت القطار يأتي من بعيد مختلطًا بأصوات أخرى من البيئة المحيطة بنا مثل: صوت السيارات و صوت الرعد أو المطر، جميعها في آنٍ واحد، ولكن في الفيلم السينمائي لا يتم نقل هذا الواقع كما هو، ولكن يتم انتقاء بعض من هذه المؤثرات التي يمكن توظيفها في داخل المشهد مثل استخدام صوت القطار قادم من بعيد أثناء سفر إحدى الشخصيات، معبرًا عن حالة معينة مثل: السفر أو الفراق والبعاد، أو قد يعبر عن قدوم الحبيب الغائب، وقد يتم استخدام صوت الرعد والمطر والظلام معبرًا ومجسدًا لحالة ليلة موحشة.
فعملية المكساج ظلت طوال القرن العشرين تجري بهذا الشكل؛ ليتم إنتاج الآلاف من روائع السينما العالمية والعربية بهذه الطريقة. ولكن الأمر الآن تطور كثيرًا مع تطور أجهزة الصوت وأجهزة المونتاج، وكاميرات التصوير ودخول التكنولوجيا الحديثة في كل شيء، حيث أصبحت عملية المكساج لعناصر الصوت تتم باستخدام تكنولوجيا أكثر تطورًا، ولكن تمر بنفس الخطوات والمراحل القديمة بأن يتم تسجيل كل صوت من الأصوات الثلاثة على حدة مثلما كان، ولكن عملية التجميع والدمج أصبحت من خلال التسجيل الديجيتال وأصبح تجميعها في خطوط رقمية يسهل التقطيع بينها والتحكم فيها بشكل أكثر يسرًا وأكثر سرعة مما كانت عليه من قبل. فمع ما أحدثته التكنولوجيا من تغير بأن الصوت أصبح أكثر نقاء وأكثر وضوحًا، والصورة أكثر جودة، يبقى الإبداع في النهاية هو الأساس في كل زمان مهما اختلفت الأساليب والوسائل، فما هي إلا للتيسير وسرعة الإنتاج والتقدم والتطور في شكل وجودة العرض.