د. أشرف عبدالرحمن
قد لا يتوقع الكثير من الناس بأن دخول الصوت إلى عالم السينما قد تسبب في أزمة كبيرة في بادئ الأمر، بل وتم مواجهته بالرفض وعدم الترحاب بتلك التكنولوجيا الجديدة والدخيلة على تلك السينما الصامتة ليأتي ذلك بعد قرابة 30 عامًا استمرت خلالها السينما بدون أي صوت حواري؛ لتشهد تلك الفترة إنتاج المئات من الأفلام التي لاقت نجاحًا كبيرًا على مستوى العالم، إلى أن دخل عنصر الصوت والحوار داخل الفيلم السينمائي.
وإن كان عدد كبير من الجمهور قد استقبل هذا النوع من الأفلام الجديدة استقبالًا حماسيًا، ولكن على الصعيد الآخر، فقد بدأت تحدث أزمة كبيرة للكثير من المعارضين من بعض الفنانين الكبار والنقاد، جاء ذلك على اعتقاد منهم أن الصورة المتحركة وحدها هي عماد هذا الفن الجديد أولًا وأخيرًا، وهي تميزه عن بقية الفنون.. فنجد الفنان الكبير شارل شابلن قد صرح بقوله «الأفلام الناطقة تستطيعون أن تقولوا إني أبغضها! إنها تأتي لتفسد أقدم فن في العالم هو فن البانتوميم، إنها تبيد جمال الصمت العظيم».
وإن كان شارل شابلن يمثل حالة خاصة لكونه رائد الأفلام الصامتة، فكان يؤمن بالطبع أنه ليس في حاجة إلى الكلمة، وقد يرى أن التقدم الفني يكون ضده، خوفًا من ألا يستطيع هضم ومواكبة كل جديد، بعد أن رسخ أقدامه في هذا الفن ليحقق شهرة عالمية غير مسبوقة. من جانب آخر، رأى بعض النقاد أن السينما عندما صارت ناطقة فقدت فرصتها بأن تكون لغة عالمية، وآخرون يدعون أن السينما تقهقرت من الناحية الجمالية مع ظهور النطق.
ورغم ذلك خلال موسم 1926 – 1927 اتخذت هوليوود خطواتها الأولى تجاه التحول للصوت بتجهيز دور العرض الخاصة بها بتقنيات الصوت، وكان أهم دافع وراء هذا التحول يكمن في أن التقنية الجديدة سوف تساعد على خفض التكاليف التي كانت تنفق على الفرقة الموسيقية والعازفين الموسيقيين داخل دور العرض السينمائية للمصاحبة الحية أثناء عرض الفيلم في دور العرض الكبرى، وهنا تم استبدال الأدوات والتقنيات الصوتية الجديدة بهؤلاء العازفين.
وبحلول عام 1930 كانت دور العرض السينمائية الأميركية قد تم تجهيزها بالكامل بأجهزة الصوت وتوقفت هوليوود عن إنتاج الأفلام الصامتة.
ومن هنا بدأ يتجه كل العالم والشركات المنتجة إلى ما يحدث في هوليوود.. وقد أثار وصول تلك الأفلام الأميركية إلى أوروبا ردود أفعال من الشركات الأوروبية المتخصصة في الإلكترونيات، التي بدأت تدخل في حرب تسجيل براءات الاختراع، والذي يعني مئات الملايين من الدولارات وما تدره من شباك التذاكر لتلك الأفلام الناطقة في أوروبا.
فبعد أن كان الفيلم الصامت قابلًا للعرض في كل أنحاء العالم وكانت تفهمه جميع الشعوب، كما كان التعبير الموسيقي المصاحب له أيضًا يستوعبه ويستمتع به كل المشاهدين مع اختلاف لغاتهم.
وهنا تظهر أزمة أخرى، حيث إن معظم الأفلام الناطقة كانت باللغة الإنجليزية ليصبح الفيلم سجينًا في نطاق اللغة التي ينطق بها، وقد تسبب ذلك في وجود تحفظات من بعض الدول غير الناطقة بالإنجليزية تجاه تلك الأفلام، كما كانت عاملًا في استثارة الأحاسيس القومية في هذه البلدان؛ لذلك منعت إيطاليا عرض الأفلام الناطقة بغير اللغة الإيطالية، كما امتد ذلك لتتخذ فرنسا وإسبانيا وألمانيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا إجراءات وقائية مماثلة لذلك.
ومن هنا بدأ الفيلم الناطق ودخول الصوت على الفيلم يشكل خطرًا يهدد هوليوود كمركز أساسي لصناعة السينما العالمية، وقد دفع ذلك الى أن قامت شركات أميركية عديدة بالاستثمار في صناعة السينما الأوروبية، وتم إنشاء استوديو ضخم في فرنسا لإنتاج أفلام ناطقة بلغات متعددة، وكان يتم تصوير الفيلم نفسه بالعديد من اللغات باستخدامه نفس الديكور والأزياء، ولكن بممثلين مختلفين ينتمون إلى بلاد مختلفة، ولكن هذا الحل بإنتاج نفس الفيلم بلغات متعددة ظل حلًا باهظ التكاليف.
ويأتي عام 1932 ليشهد انطلاقة جديدة لحل مشكلة اللغة عندما تم إدخال طريقة الدوبلاج لترجمة الأفلام الناطقة باللغات المهمة، بينما أصبحت طريقة الترجمة الكتابية على الشريط للمناطق ذات اللغات الأقل أهمية، وقد استغرقت تقنية الدوبلاج أربع سنوات لكي تتطور. ومنذ عام 1933 استطاعت هوليوود وشركاتها أن تتجاوز تلك العقبة لتظل هوليوود الرائدة والأكثر والأقوى إنتاجًا في صناعة السينما.