سماح عادل
الفيلم الهندي Jawan فيلم ساحر، وممتلئ بالتنوع ما بين حركة وإثارة وقصة حب وأشياء أخرى، عُرض في عام 2023، رغم أنه صنف تحت خانة الأكشن، فهو يتناول قضايا هامة تخص المجتمع الهندي.
سحر متكامل
يتميز الفيلم بكونه متكاملًا، حيث يمتلئ بأنواع كثيرة للترفيه وإمتاع المشاهد، فهو يحتوي على أكشن وإثارة ومشاهد ترضي ذلك المشاهد الذي يحب أفلام الحركة، لكنه مع ذلك لا يكتفي بكونه فيلم أكشن وإنما يناقش قضايا هامة تخص المجتمع الهندي.
الميزة في هذا الفيلم أنه لا يقدم توعية للجماهير الهندية بشكل جاف، وإنما يقدم محتوى هادفًا في قالب تشويقي على مستوى عالٍ، فنجد أغاني ساحرة وديكورات مبهرة، وأماكن تصوير فاخرة، وأيضًا احترافًا عاليًا في تنفيذ مشاهد الأكشن والحركة.
الفساد
يتمتع الفيلم بجرأة شديدة في مناقشة قضايا المجتمع الهندي، حتى إنه يطال في طرحه الحكومة الهندية وأداءها، ويتناول فكرة التواطؤ ما بين رجال الأعمال الفاسدين وما بين بضع الرجال داخل النظام، الذين يتعاونون مع رجال الأعمال الفاسدين لتمرير مشاريع تصب في مصالح هؤلاء الرجال، وهي مشاريع تلوث البيئة وتقام بأعداد كبيرة داخل الأراضي الهندية. كما انتقد الفيلم أداء قطاع الزراعة، حيث يتم إقراض المزارعين البسطاء بفوائد عالية، أكبر بكثير من تلك التي يتم إقراض رجال الأعمال بها.
كما طرح قضايا حساسة مثل دخول أبرياء إلى السجون وتلفيق التهم لهم، مثل تلك الطبيبة التي حاولت إنقاذ عدد من الأطفال بسبب عدم توافر الإمدادات الرئيسية التي لا بد من توافرها في المستشفيات الحكومية؛ لأن من يقومون على تلك المستشفيات يأخذون تلك الأموال المخصصة لإمداد المستشفيات ليضعوها في جيوبهم، وفي النهاية يتم تلفيق تهمة للطبيبة والتستر على المسؤولين الذين كانوا السبب في تلك الكارثة ومقتل عدد من الأطفال الأبرياء. كما سلط الفيلم الضوء على أعداد المزارعين الذين يفقدون حياتهم بالانتحار نتيجة لتراكم الديون عليهم، كما رصد معاملة الشرطة المهينة للمواطنين الهنود.
البطل الخارق المخلص
يصور الفيلم البطل الخارق المخلص المتمثل في “أزاد” الذي يقوم بعمليات كبيرة مستعينًا بست فتيات. ورغم المبالغة في مدى إحكام تلك العمليات، فإنها كانت بهدف خدمة المجتمع الهندي. أول عملية قام بها «أزاد» كانت خطف قطار للضغط على وزير الزراعة ولتعريف الجماهير الهندية بمحنة المزارعين الصغار. والعملية الثانية استهدفت وزير الصحة الذي يُدعي أنه يزود المستشفيات الحكومية بكل ما يلزمها من إمدادات طبية وتجهيزات، فأصابته مجموعة «أزاد» لتكشف للجماهير وعلى الملأ بؤس حال المستشفيات الحكومية، ولكي يتم كشف قضية تلك الطبيبة البريئة وقتل الأطفال بسبب الفساد.
ثم نكتشف أن «أزاد» هو ابن لبطل آخر خارق هو أيضًا، هو أحد الجنود في الجيش، الذي اكتشف عملية فساد لرجل الأعمال الكبير، الذي يضعه الفيلم كنموذج لرجال الأعمال الفاسدين، ذلك الرجل الذي كان يجلب أسلحة فاسدة ويوردها إلى الجيش الهندي؛ مما تسبب في مقتل الجنود في عمليات عسكرية يقومون بها، وبسبب كشف الجندي لرجل الأعمال وفساده يخسر حياته وهناءه. إذ يقوم رجل الأعمال بمحاولة قتله، ويتسبب في إعدام زوجته بعد أن تنجب طفله في السجن، وحتى الجندي نفسه يفقد ذاكرته ويعيش بعيدًا عن موطنه سنوات طويلة، حيث ينقذه الناس في قرية صينية.
يحاول «أزاد» الدفاع عن أبيه وسمعته كما أوصته أمه، ليكشف للناس أنه كان بريئًا رغم الادعاء بأنه كان خائنًا لبلاده. ليكتشف «أزاد» أثناء سعيه لذلك أن والده ما زال على قيد الحياة، فيصبح هناك بطلان مخلصان يحاولان إصلاح ما أفسده بعض رجال النظام في المجتمع.
لكن «أزاد» في حديثه إلى الجماهير الهندية بعد أن قامت مجموعة «أزاد» بالاستيلاء على الأموال التي قرر رجل الأعمال دفعها لكي ينجح في الانتخابات ويصبح هو نفسه جزءًا من الحكومة الهندية، كما قاموا بالاستيلاء على أجهزة التصويت؛ قدَّم نصيحة للجماهير الهندية أن يقوموا بانتخاب من يعمل على مصالحهم والتدقيق في ذلك، بدلاً من الاستجابة إلى لعبة الفساد في رشوة الجماهير، مما جعله ينفي أهمية وجود البطل المخلص، فالناس يخلصون أنفسهم بأنفسهم؛ مما يجعلنا نفكر في دور السينما الهندية وبعض الأفلام المتميزة في توعية الجماهير ومعالجة القضايا الهامة التي تخص المجتمع الكبير والمتنوع الأطياف هناك، ونثمن ذلك السعي من صناع السينما الهندية لعمل دور اجتماعي هادف.
قصة حب
الفيلم يحتوي أيضًا على قصة حب ساحرة ما بين البطل «أزاد» وقائدة الشرطة التي تتولى مهمة القبض عليه، لتتحول هي من خانة العدو الذي يخدم مصالح رجل الأعمال الفاسد إلى خانة من يدافعون عن الناس. فنجد الأغاني الهندية الساحرة التي تعبر عن عذوبة الحب وجماله ورقصات جماعية نتعجب كمشاهدين من مدى إتقان صناع الفيلم لتحقيق تلك الرقصات الجماعية، التي تضم عددًا كبيرًا من الناس الذين يرقصون في انسجام وتناغم كأنهم فرد واحد. هذا الحس الجماعي أيضًا يميز السينما الهندية، فتشعر أنهم يعتمدون على فكرة الانتصار للجماعة حتى أثناء إعطاء الفرد الاحتفاء الذي يليق به.
المتعة في المبالغة
رغم أن المشاهد غير الهندي ربما يشعر ببعض المبالغة في الفيلم، على مستويات عدة، أولًا في الأكشن نفسه الذي يستطيع فيه البطل «فيكرام راثور» أن يقتل أعدادًا كبيرة من الرجال بيديه العاريتين وبسلاح بسيط ابتكره بنفسه، حتى إن القرية الصينية التي نزل فيها، حين أسقطه رجل الأعمال من الطائرة وعالجه أحد الرجال فيها، ثم أنقذهم من اعتداء عليهم؛ اعتبروه إلهًا بالنسبة لهم.
المبالغة في قوة «فيكرام راثور»، ثم قوة ابنه «أزاد» في الإحكام الشديد على العمليات التي يقوم بها والفتيات الست، حتى إن الحكومة الهندية تعجز عن تتبعها أو التصدي لها. وكذلك المبالغة في عمل شخصيات ساحرة، خارقة، قوية نفسيًا وجسديًا، مثل «كالي» أم «أزاد» التي تتمتع بقوة بدنية ونفسية لتتخطي تلك الكارثة التي حلت بها وبزوجها، بل وتصمد لتشجع ابنها على الاستمرار. والإبهار الشديد الذي يتمتع به الفيلم من مختلف الجوانب، الأزياء الساحرة، والديكورات الفاخرة، وحركة الكاميرا السريعة التي تخطف الأنفاس، والصورة البارعة، وإتقان مشاهد الأكشن ومبالغتها أيضًا، والاهتمام بالتفاصيل الدقيقة، وأداء الممثلين البارع حتى تلك الأدوار الثانوية، حيث كان الممثلون يقومون بأدائها ببراعة، فضلًا عن كاريزما «شاروخان» و«دبييكا باكون» وباقي الممثلين.
وأيضًا تلك الخلطة الهندية الساحرة، من أغانٍ وموسيقى وألوان براقة وجمال ووسامة، سواء للشخصيات النسائية أو الرجالية، والإفراط في إظهار الجمال رغم احتشاد الفيلم بمشاهد عنف، ودماء، وقتل، وكوارث، ومحن تطال الشخصيات. حتى تلك الكوارث تعد جزءًا من الخلطة السحرية التي تستهدف إغراق المشاهد حتى أذنيه، وجعله يتماهى تمامًا مع حكاية فيها كل ما يريد وما يتمتع به، ليخرج متخمًا وممتلئًا بدفقات شعورية متنوعة، ما بين إشفاق وتعاطف وحزن وتمتع بالجمال والسحر والعواطف الجياشة المتدفقة، من حب وامتنان للأب وإخلاص لذكرى الزوجة والحبيبة.