محمد عبدالرحمن
في حديث جمعني مع المخرج علي الكلثمي خلال مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الأخيرة، قال مخرج «مندوب الليل» إن الجوائز تسعده، لكن المهم هو رأي الجمهور «الحقيقي»، وصفة الحقيقي هنا تعود على الجمهور وليس الرأي؛ أي الجمهور المستهدف من الفيلم، وهؤلاء لم يكن الشريط قد وصل لهم بعد، حيث عرض «مندوب الليل» في مهرجانات مثل: «تورنتو» بكندا، والبحر الأحمر بجدة، لكن المقياس الفعال هو إقبال الجمهور على صالات السينما. حديث الكلثمي كان ردًا على الجوائز المتوقعة من الدورة الثالثة وانتهى المهرجان وخرج «المندوب» بلا جوائز قبل أن يمنحه الجمهور الجائزة الكبرى، حيث لقب أكثر الأفلام السعودية تحقيقًا للإيرادات في الأسبوع الأول.
بحسب الصحفي السينمائي البارز، أحمد العياد، حقق الفيلم 114 ألف تذكرة في أول أسبوع بإجمالي إيرادات وصل إلى 6 ملايين ريال، والأهم أن ما حققه من تذاكر يقارب 50% من عدد التذاكر المقطوعة في نفس الأسبوع؛ أي أن نصف من ذهبوا للصالات بالمملكة في 7 أيام كان اختيارهم «مندوب الليل»، فإلى أي حد يمكن اعتبار تجاوز الفيلم لما سبقه من أفلام سعودية وتحقيقه ثاني أعلى افتتاح لفيلم عربي مفاجأة؟
في تقديري أنها مفاجأة لكنها متوقعة، أي أن الشريط من البداية مؤهل لتحقيق الإيرادات الكبيرة، لكن بالتأكيد الوصول للمركز الأول كان من الصعب الرهان عليه، فلا يمكن تقييم اتجاهات الجمهور مسبقًا. غير أن الشريط المنسوب لتلفاز 11 مستعد الآن للاستمرار وتحطيم كل الأرقام القياسية، سواء في إجمالي الإيرادات أو عدد الأسابيع التي سيبقى فيها مطلوبًا في الشباك، وليس ببعيد أن يستمر لما بعد رمضان المقبل.
لماذا كانت المفاجأة متوقعة؟ هل لأن الفيلم محبوك الصنع من الناحية الفنية؟ بالتأكيد هذا عنصر أساسي، لكن أفلامًا أخرى تميزت بالصنعة الجيدة ولم تحقق نفس الإيرادات في الأسبوع الأول. السبب الموازي والأهم، من وجهة نظري، هو الموضوع الذي تفتقده أفلام عدة، أو بمعنى أدق تفتقد أن يلامس الموضوع اهتمامات الفئة الأعرض من الجمهور.
«مندوب الليل» أو «مندوب» في الترجمة الإنجليزية للاسم فيلم عن مواطن سعودي عادي وهي نقطة القوة التي انطلق منها الكلثمي وشريكه في الكتابة محمد القرعاوي. مواطن يعاني أزمة مالية، يضطر إلى العمل في مهنتين: إحداهما ليلية، تصيبه اضطرابات النوم فتؤثر على كل تصرفاته وعلى علاقاته بالآخرين، هذه القصة ببساطة، لكن التعقيد في كيفية حكيها والتفاصيل التي نسجها صناع الفيلم منذ المشهد الأول الذي نرى فيه البطل «فهد بن ناصر» وهو يخضع للتحقيق في الشركة التي يعملها بها نهارًا، ويتصرف بجنون مع مديره المباشر قبل أن نكتشف تدريجيًا دواخل الشخصية وتكتمل الصورة العائلية التي يقع هو في مركزها، حيث الأب المريض والأخت المطلقة والعلاقة العاطفية المفقودة التي يتخيلها كما يشاء، فيما الطرف الثاني ينطلق في اتجاه آخر؛ كل هذه الدراما لا تخلو من ضحكات بسبب المواقف المتناقضة للبطل – جسده بتميز محمد الدوخي- وأيضًا شخصية ابن عمته التي قدمها الممثل الظريف «أبو سلو».
خلال حديثي مع الكلثمي سألته لماذا أسندت لسارة طيبة وهي محترفة شخصية الفتاة التي لا تظهر إلا بصوتها مع البطل وتطل بعد ذلك في مشهد وحيد، ومنحت شخصية الأخت للوجه الجديد هاجر الشمري، قال إن طيبة من جدة بالأساس بالتالي لهجتها مختلفة، وكان يريد أن تكون عائلة البطل كلها من الرياض وقد أجادت الشمري في أداء المهمة، هذه ملاحظة لا يكتشفها بسهولة المشاهد غير السعودي، فارق اللهجات لا يدركه إلا أهل البلد، لكنها ملاحظة تنم على أننا أمام مخرج درس موضوعه جيدًا ووفر الأدوات التي تحترم الجمهور، وقدم ليل الرياض كما يعرفه الناس، عكس أفلام أخرى تنتظر دورها في شباك التذاكر صناعها لم يلتزموا باللهجات وطبيعة الأداء المتوقعة من شخصيات سعودية فطالتهم الانتقادات.
هذا التباين بين تجربة «مندوب الليل» وإخلاصها للمجتمع الناتجة عنه والتجارب الأخرى المشار إليها، ربما يضاف للتفسيرات أعلاه حول لماذا هي مفاجأة متوقعة أن يحقق الفيلم كل هذه الإيرادات، لأن «مندوب الليل» ببساطة احترم الجمهور فبادله الناس الشعور نفسه.