تيسير قوايد
فيلم «ناقة» للمخرج والمؤلف السعودي مشعل الجاسر، وبطولة أضوي بدر، والذي يعرض حاليًا على منصة نتفليكس ويدخل في قائمة الأعلى مشاهدة في أيامه الأولى لعرضه، يعدُّ من العلامات الفارقة في تاريخ السينما السعودية؛ لأنه يفتح الباب أمام نوعية جديدة من الإبداع ذلك الذي يهتم بالقضايا المجتمعية الملحة ويسلط الضوء عليها ويكسر أحد التابوهات الهامة في المجتمع السعودي.
وتدور أحداث الفيلم حول البطلة سارة التي تعيش في بيت صارم جدًا تقليدي، بينما هي تتبنى أفكارًا متمردة ترفض بها كل التقاليد وتعيش حياة سرية. ففي حين تذهب لملاقاة صديقها في حفلة يقيمها في الصحراء تتعطل سيارتهم أثناء العودة وهو ما يترتب عليه سلسلة من المشكلات يكون عليها مواجهتها والإسراع بالعودة إلى المنزل قبل حلول الساعة العاشرة مساء لتأمن عقاب والدها.
«مستر سين» الفيلم كان المشهد الذي تجري فيه البطلة في الشارع وتتصبب عرقًا، بينما الشباب يلهون ويرقصون في الشارع وسياراتهم، ويقضون وقتًا ممتعًا ليس لشيء إلا لكونهم ذكورًا لا يعبؤون بموعد العودة للمنزل ويأمنون العقاب في كل الأحوال.
استخدم المخرج هنا الحركة البطيئة والأضواء الساطعة نحو الشباب، بينما كانت الأضواء خافتة تقترب من الأبيض والأسود مع نظرة خوف للحاق بموعدها مختلطة بنظرة تمنٍ أن تحظى مثلهم ببعض المرح دون قلق من العقاب.
هنا البنت تحمل في أعماقها سنوات من المنع والكبت بعدم السماح لها بالخروج وتمضية بعض الوقت مع أصدقائها ليس لكونها أنثى ممنوع عليها ممارسة حريتها، بينما الذكور لسنوات طويلة يتمتعون بحرية الحركة والتخطيط للاستمتاع بمباهج الحياة.
التطورات الهامة التي تشهدها المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، التي تشمل نواحي اجتماعية واقتصادية وإعلامية وفنية لم تغفل المرأة، التي كان لها النصيب الأكبر من تلك التغييرات، وهو ما بدا واضحًا في تلك الطفرة الجديدة في السينما السعودية.
المرأة دائمًا عنصر هام ومؤثر في المجتمع والاهتمام بقضاياه، وتسليط الضوء عليها يعلي من قيمتها ويعطيها مزيدًا من الحقوق من شأنها المساهمة في رفعة وتطور المجتمع حتى لا يصبح المجتمع ذكوريًا فقط يهتم بحقوق الرجال دون النساء، رغم الدور البارز والهام للمرأة ومشاركتها في التطور الاقتصادي والثقافي جنبًا إلى جنب مع الرجل.
اختلاف النقاد حول أهمية الفيلم، وهل هو جيد أم سيئ، ينبئ عن عمل فني هام، ويحظى باهتمام من الجميع لإثارته قضية هامة، ولولا هذا ما تكلم عنه أحد. أما من الناحية الفنية، فالفيلم يحتاج لمزيد من الاهتمام بتقنيات التصوير والإخراج، ولكنه يبقى خطوة على طريق صناعة جديدة ومختلفة للسينما السعودية.