أحمد أبو درويش
يبدو أن الحرب العالمية، سواء الأولى أو الثانية، لا يزال في جعبتها الكثير والكثير من القصص التي تقدم عبر الشاشات سواء السينمائية أو الدرامية، والتي تروي مآثر الحلفاء في مواجهة النازيين.
وفيما يخص الأعمال الدرامية، فإن منصة نتفليكس أنتجت عملين مبهرين: أحدهما وهو all the light we cannot see «كل الضوء الذي لا يمكننا رؤيته» أنتج مؤخرًا حول الحرب العالمية الثانية، والآخر woman at war «نساء في الحرب» الذي أنتج منذ قرابة العام لقصة تجري أحداثها في الحرب العالمية الأولى.
وعلى الرغم من غلبة الطابع الاجتماعي على العملين الدراميين، فإنهما يعدان ضمن دراما الحرب، إذ لا تستطيع فصل الاجتماعي عن العسكري في زمن الحرب لهيمنة الجانب العسكري على كل شيء، هذا من جهة، وكذلك لكون الجانب الاجتماعي مدخلًا لتورط كل شخوص الحكاية في الحرب.
ومن اللافت أن العملين الدراميين مثّلت النساء الفرنسيات فيهما منطلق القصة والكفاح ضد النازيين، وبالطبع كانت الأحداث تجري على أرض فرنسا المحتلة.
وفي العمل الأقدم woman at war تتشابك قصص أربع من الفرنسيات، كل منهن لها قصتها ومشكلاتها، وماض تهرب منه، إلى أن تجمعهن المصادفة في مكان واحد، فيتحولن جميعًا للعمل الإغاثي أثناء وقوع الحرب، ليتم تكريمهن من قبل الرئيس الفرنسي كنموذج مشرف للمرأة الفرنسية، إلا أن الأمر لا ينتهي بهذه النهاية السعيدة؛ إذ تستمر معاناتهن الشخصية، فالماضي الذي يطارد كل واحدةٍ منهن لينتقم منها، إلا أنهن يواجهن الماضي ويواجهن الأعداء ويدفعن أثمانًا باهظة في مواجهة المدّ الألماني.
أما في الدراما الثانية المكونة من 4 حلقات فقط، ومأخوذة عن رواية بالعنوان ذاته، فتحكي قصة فتاة كفيفة يحتل النازيون بلدتها فتهاجر مع أبيها لبلدة ساحلية، إلا أن النازيين يدخلونها هي الأخرى، وتتعرف الفتاة على أستاذها الذي كانت تسمع صوته في المذياع يحاول أن ينشر رسالة السلام في العالم، فتنتقل الفتاة بدورها لتبث من المذياع ذاته الذي يبث منه أستاذها، وتتعاون مع المقاومة الفرنسية، بأن ترسل شفرات سرية عبر حكايات قصصية ترويها في المذياع، لتحدد أهدافًا ألمانية بدقة للطائرات الأميركية التي تقصف المدينة. وفي هذا الإطار تواجه هي ذاتها استهدافًا مباشرًا من الجيش الألمانيّ، الذي يحدد مكانها بدقة، وعلى الرغم من موقعها الثابت، الذي جعلها هدفًا سهلًا، فإن المعركة تشتد بين المقاومة والنازيين حول منزلها، لتصبح هي قلب الحكاية ورمز الانتصار.
وفي العملين الدراميين، جرعة عالية من المشاعر، تقول بأن أدب الحرب، هو أدب شديد التعمق في النفس البشرية، لما تشهده الحروب من ويلات وأهوال للبشر. الأمر الذي يجعلني أتساءل دومًا هل يمكننا صناعة دراما أو سينما بهذه الجودة في كتابتها ورهافتها وقلقها الإنسانيّ ومشاعرها المركبة المضطربة وعمقها الفاضح للنفس البشرية، وكلّي يقين بأن لدينا ما يمكننا روايته من مئات القصص والبطولات الحقيقية دون تزييف، والتي نتمنى يومًا أن تخرج على شاشاتنا العربية بلسان عربيّ مبين.