محمد عبدالرحمن
لم يخرج «إخفاء صدام حسين» بجوائز في سباق اليسر للأفلام الطويلة بالدورة الأخيرة لـ«مهرجان البحر الأحمر»، لكنه حاز اهتمام الكثيرين، خصوصًا أنه كان من أوائل الأفلام التي تضمنها برنامج الدورة الثالثة المنتهية في التاسع من شهر ديسمبر الجاري.
الفيلم الوثائقي «إخفاء صدام حسين» للمخرج الكردي النرويجي هالكوت مصطفى، جذب الانتباه حتى قبل انطلاق المهرجان، موضوع مشوق للغاية تجاوز الجدل حول أن تكون مع صدام حسين أو ضده. جدل سياسي استمر طويلاً قبل وبعد سقوط بغداد 2003، وسيظل قائمًا كلما جرت أحداث تفتح الملف من جديد. لكن بعيدًا عن كل ذلك، وقف المخرج العراقي يبحث كما قال عن الواقعة من منظور إنساني، ولمدة 10 سنوات ظل يعمل على إنجاز الفيلم الذي يعد الأول من نوعه، الكاشف عمَّا جرى مع الرئيس العراقي الراحل لمدة 235 يومًا فصلت بين دخول الجيش الأميركي بغداد والعثور عليه متخفيًا في حفرة بمزرعة فلاح عراقي بمنطقة الدورة.
الفكرة بدأت من محاولة إقناع علاء نامق الدوري بأن أوان الكلام قد حان، الرجل الذي استقبل الرئيس العراقي الراغب في التخفي قبل نحو 20 عامًا وقرر – دون تفكير- أن يمنحه الأمان باعتباره ضيفًا حتى لو كان خلفه 150 ألف جندي أميركي يبحثون عنه في كل شبر بطول العراق وعرضها. نجح المخرج في استنطاق علاء نامق الذي تجاوز الآن عامه الخمسين وكان نجمًا لعروض مهرجان البحر الأحمر، حيث اعتمد الفيلم بالكامل على روايته، لكن المخرج صنع معادلًا بصريًا على مستويين؛ الأول إعادة تمثيل بعض المشاهد من خلال ممثلين أقرب في الشبه جسديًا من الرئيس الراحل ونامق وباقي الشخصيات التي ظهرت، وكذلك المادة الأرشيفية التي وثقت حال العراق طوال عام 2003، الأمر الذي أحدث قدرًا من التوازن بين صوت البطل المستمر منذ اللقطة الأولى – مدة الفيلم 96 دقيقة – والصورة التي أعادت لمعاصري الحدث الكثير من الذكريات وفتحت أمام الجيل الأحدث الباب للتعرف على ما جرى.
المهمة كانت صعبة بالفعل أمام هالكوت مصطفى، رجلان كان يتخفيان طول الوقت بالتالي لن يوثقا الأمر بصورة أو فيديو، وأصبح المصدر الوحيد هو الراوي باعتباره الشاهد الملازم لصدام حسين، وكان لا بد من صنع المعادل البصري بهذه الطريقة ومن خلال الأوصاف التي رددها علاء الدوري، فرأينا كيف كان يتنكر الرئيس، كيف كان يعد الطعام بنفسه ويقابل أولاده سرًا، وحتى أقرب المقربين وصولًا لفكرة حفر الخندق لتأمينه، وكيف كان يتصرف المضيف إذا تعرض الرئيس لأزمة صحية مع استحالة استدعاء الطبيب، وصولًا إلى أنه عرض عليه الزواج من سيدة تؤنسه عندما طالت مدة الإخفاء وتقاربهما لدرجة تبادلهما المساعدة في الاستحمام.
وثق الفيلم أن من وشى بصدام أحد أقاربه ومساعديه الموثوقين بعد تعذيبه، وكان علاء نامق حريصًا على القول داخل الفيلم وخارجه على أن ما يهمه الآن تأكيد براءته من تسليم الرئيس بعد سنوات من شعوره بالخوف والقلق بسبب توجيه هذا الاتهام له، بينما تعامل هو مع الرئيس كابن يحافظ على حياة أبيه وليس فقط مضيفًا يكرم ضيفه الثقيل.
ليس غريبًا إذًا أن يعلن المخرج أنه حتى فريق العمل لم يكن يعرف موضوع الفيلم خوفًا من أن تتدخل جهات ما وتمنع الراوي من إكمال شهادته، وبالتالي ليس مثارًا للدهشة استمرار العمل على المشروع لعقد كامل من الزمان، لكنه في النهاية خرج للناس وفتح الملف من جديد؛ ملف كيف تعامل الفلاح البسيط مع رئيس هارب كان ملء السمع والبصر ويخشاه كل أهل العراق، لكنه في لحظات ضعف إنسانية أجبرته عليها تقلبات السياسة بات لاجئًا محتميًا بفلاح فقير صان الأمانة حتى وجد المارينز فوق رأسه يبحثون عن الحفرة التي أخفى فيها صدام حسين.