د. عبدالرحمن أبو شال
لا يخفى على المتابع لنمو المشهد السينمائي بالسعودية أن تلفاز 11 هي من أوائل الشركات التي خلقت اسمها في إنتاج المرئيات بقنواتها على منصة يوتيوب، واسم علي الكلثمي بارز في هذه الأعمال التي أثرت على شريحة كبيرة من الجمهور لتفردها بمواضيعها وأساليب طرحها؛ إذ شكلت هوية غلب عليها الطابع الفكاهي، على الرغم من أن المتابعين لعلي الكلثمي – وربما هذا انطباعي عنه وقد يختلف البعض معي – يعلمون أنه يهوى تنفيذ أعمال أقرب للوثائقيات التي طابعها الجدية والطرح المتزن. مع فيلم مندوب الليل، نرى أول مرة طرحه في قالب درامي من بطولة الفنان محمد الدوخي، الذي مثل قصة شاب سعودي في شوارع الرياض.
غالبًا ما ترتبط الأسماء بالقالب الفني الذي تقدمه، كارتباط أفلام آدم ساندلر بالشخصيات الفكاهية، إلى أن قدم لنا فيلم Uncut Gems، حيث كان الطرح دراميًا، ولكن المشاهد يحضر لهذا الفيلم مشحونًا بتجربته السابقة عن هذا الاسم في مجال الأفلام وينتظر الفكاهة. وكذا الأمر عند حضور «مندوب الليل» في صالة السينما، حيث يحمل المتلقي انطباعًا عامًا عن تلفاز ١١ وإنتاجاته، وينتظر المواقف الفكاهية في لحظاتها وأبرزها لحظة ظهور المخرج نفسه، وهيأ هذا الانتظار المتلقي لأن يجد الفكاهة في شخصية فهد القضعاني، التي هي محور القصة، وكلا الاسمين علي الكلثمي ومحمد الدوخي قد تركا انطباعًا راسخًا في ذهن المتلقي نتيجة جهودهم في «خمبلة» و«كيس» على يوتيوب، ولا ينسى المتابع أثر مدرسة علوم المرجلة.
تحديد القالب دائمًا ما يقابل بعنف إبداعي، وأصفه بالعنف لأنه في حقيقته جهد متمرد يبذله المبدع لكسر القيود التي تفرضها قوالب الأعمال الفنية والنظريات النقدية وتوقعات الجمهور. كل هذه القيود تحتم على المبدع في مجال السينما أن يكون ذا انتقائية عالية من شأنها ضبط العمل خلال مراحل إنتاجه وصولاً إلى غايته، وهي التأثير على الجمهور. لكن بعد عرض الفيلم، ينتهي دور المخرج، لأن الأفلام غير قابلة للاسترجاع أو الاستبدال، وحينها يبدأ دور الناقد. بل إن آراء المخرج وفريق العمل لم تعد لها الأولوية في نقد الفيلم، لأن الرأي هو رأي الجمهور والنقاد، والمخرج انتهت سلطته النقدية عند آخر مراحل الإنتاج وأصبح بعد العرض على كرسي المتلقي. تجربته الإنتاجية تاريخ، وآراؤه مشاركات نقدية قد يخطئ فيها أو يصيب.
ما يقدمه المخرج علي الكلثمي أو الطبيب النفسي يحيى الحسن ينبغي أن يفهم على أنه مساهمة نقدية عن سردية الفيلم لا تقيد تجربة المشاهد واستجابته للشخصيات والموضوعات التي قدمها الفيلم. ولا شك أن شخصية فهد تعاني من علل نفسية واضحة، حتى لو لم يصرح المخرج في ترويجه للفيلم؛ إذ استعان بطبيب نفسي لتشخيص الشخصية، فقدم وبشكل مختصر تشخيصًا نفسيًا لفهد القضعاني. مع ذلك كله، فإن المشاهد للفيلم لا تهمه كل هذه التفاصيل إطلاقًا لضمان تأثير الفيلم عليه؛ لأن الغاية الأساس من المشاهدة هي التأثير والإثارة العاطفية. ويحكم المشاهد على جودة العمل الفني بناء على تأثيره عليه، والذي يزيد عمقًا بحسب ما يستحضره من تجارب وخبرات يلاحظ من خلالها دقة التفاصيل. أما الناقد فيحاكمه للمعايير الفنية ويبدي رأيه ضمن الأحكام الجمعية على العمل.
أما أنا فقد شدني شغفي ومتابعتي لعلي الكلثمي إلى متابعة كل ما ذكره عن فيلم «مندوب الليل» قبل عرضه، وفي عرضه أول ليلة، بت أشاهد التكوين النفسي لشخصية فهد القضعاني وأتساءل: «هل يعي كل من في صالة العرض الآن عمق التجسيد النفسي للشخصية ودقة التفاصيل، أم أنهم هنا بحثًا عن الفكاهة مع علي الكلثمي ومحمد الدوخي، وكون الفيلم من إنتاج تلفاز ١١؟».