أحمد أبو درويش
يتعرض فيلم «راس براس» لفكرة إجرامية تشويقية في إطار كوميدي، تميزت فيه الحبكات الثانوية المتشابكة، التي هي سبب أساسي لنجاح العمل، لتصنع عالمًا من الفكاهة عالية الجودة. وعرض الفيلم عبر منصة نتفليكس، وهو من تأليف عبدالعزيز المزيني وإخراج مالك نجر.
بدأ الفيلم بداية هادئة، يعرض فيها المخرج شخصياته بشكل متسلسل، حيث «درويش» «عادل رضوان» سائق الليموزين في شركة «شوفير الشيوخ»، يعاني من رفض والد حبيبته الزواج منها لضآلة شأنه، بينما تعرض عليه حبيبته «لطيفة» «أيدا القصي» الهروب معه إلى إنجلترا للزواج، بعيدًا عن أهلها. ثم تأتي بعد ذلك شخصية «فيّاض» «عبدالعزيز الشهري» مدير الصيانة في الشركة، وهو شخص محتال لكنه يتمتع بحس كوميدي. وبدلًا من طرده على إثر كشف احتيالاته بسرقة سيارات الشركة، حيث يبدل قطع الغيار داخلها بقطع غيار قديمة، يجد نفسه بشكل مفاجئ رئيسًا تنفيذيًا للشركة.
الإثارة الحقيقية في الفيلم تبدأ في اللحظة التي يجد فيها فيّاض نفسه، مديرًا للشركة، حيث أمر درويش بجلب صاحب الشركة من المطار، فيجلب بدلاً منه زعيم عصابة متقاعد. وفي المقابل تخطف العصابة، صاحب الشركة. وتدور أحداث الفيلم، في إطار عملية صفقة تبادل الرهينتين، فتحدد العصابة مكان التسليم في «بذيخة».
بذيخة.. عالم الإجرام المتخيل
وبذيخة مكان متخيّل لحيٍّ إجرامي يسير الناس فيه بالأسلحة الرشاشة، وتتم فيه عمليات الخطف والقتل خارج إطار القانون. ومنحت فكرة اختيار مكان متخيل كهذا، صانعي الفيلم حرية أكبر لطرح تناولهم لشخوص سعوديّة حقيقية، وربطت المشاهد بعالم صناعة الأفلام الكارتونية الذي تخصص فيها مخرج العمل، فلم يبتعد كثيرًا عالم بذيخة المتخيل عن عالم الكارتون الذي يعتاد مالك نجر صناعته، بل إنه قدم قصة ثانوية كاملة تحكي تاريخ عائلة ولد الديمن التي تسيطر على حي بذيخة في إطار كارتوني؛ دعمت فكرة التخيّل وكذلك دعمت القالب الكوميدي للفيلم.
وعلى الرغم من أن طابع الفيلم طابع أكشن وكوميدي، فإن عالم بذيخة المتخيل نجح في احتواء القالب، بل وربط المشاهد بذلك العالم. وأرى أنها كانت فكرة تجديدية حيث اعتادت أغلب القوالب السينمائية التشويقية تصوير المدن الحقيقية، فلم يكن من بدٍّ هذه المرة من التجريب، الذي أراه تجربة ناجحة إلى حدّ بعيد.
تشابك الحبكات الثانوية
وأكثر ما يلفت المشاهد للفيلم ويربطه بالقصة، هي الحبكات الصغيرة للقصص الثانوية وربطها ككل في صنع حكاية متكاملة لا تنقصها التشويق. حيث بدأ الفيلم بقصة درويش ولطيفة وما يعانيانه من رفض أسرتها الزواج من حبيبها لضآلة شأنه، فيخططان للهروب معًا، إلى أن نصطدم مع قرب نهاية الفيلم بحقيقة أسرة لطيفة، وهي أسرة ولد الديمن الإجرامية التي تطارد درويش السائق ويطاردها. وفي المقابل يرتبط فيّاض بعلاقة صداقة مع «أبو غدرة»، النصاب الذي يسكن بذيخة، ويسعى فيّاض لاستمالته لمساعدتهما في عملية التبادل بينهم وبين عصابة ولد الديمن، إلا أن هناك من يطارده هو ذاته، وهو «لقمان» صانع المتفجرات، الذي يدين له أبو غدرة بمبلغ 5 آلاف ريال ولا يعرف كيف يسددها. تتشابك جميع تلك الحبكات معًا لتشكل عالم المطاردة داخل بذيخة، لتظهر لطيفة مرة أخرى وتستطيع السيطرة على تلك الصراعات، وتدير عمل المجموعة للانتقام من أبيها المجرم ولد الديمن، وتنجح في تحرير الرهائن من قبضة يديه.
يمكننا القول إن بساطة فكرة الفيلم منحت المشاهد متعة إضافية، لسلاستها ومناسبتها لكافة الأعمار، خاصة مع تكاملها مع الهدف الكوميدي للعمل، وتسيير كل ذلك بحبكات جيدة في إدارة الصراعات البينية. لكن ربما ما يؤخذ على العمل هو ندرة مشاهد الفنان المخضرم «محمد القس» الذي أدى دور زعيم العصابة، وكان من الممكن زيادة مشاهده ومنح شخصيته طابعًا كوميديًا هو الآخر ليؤدي شخصية زعيم العصابة الذي يجمع بين الجد والهزل معًا، وهو طابع نفذه كثير من الكوميديين المخضرمين من قبل، بل نفذه «القس» ذاته، في دوره بالدراما المصرية «موضوع عائلي». ويمكننا التساؤل كذلك عن سبب ندرة العنصر النسائي داخل العمل، وكذلك ندرة مشاهد الفنانة «أيدا القصي»، خاصة مع الدور المرسوم لها في إدارة الصراع بنهاية الفيلم.
وعلى كلٍ، فإن الفيلم نجح بامتياز في اختبار التشويق والكوميديا معًا، فقدّم وجبة هزلية جذابة على بساطة فكرتها نجحت نجاحًا مميزًا فتصدرت المشاهدات في نتفليكس، ووضعت بصمة سعودية في عالم الكوميديا السينمائية.
