طارق البحار
بحسب «فاريتي» المعنية بالسينما تعد المملكة العربية السعودية، اليوم أكبر سوق للسينما في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تصل قيمتها إلى مليار دولار بحلول عام 2030. وتشهد صناعة السينما والترفيه في المملكة تطورًا وتحولاً ملحوظًا في السنوات الأخيرة، تماشيًا مع رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز التنمية الثقافية، وإبراز هذا القطاع كمجال رئيس للاستثمار والتوسع.
جذبت صناعة السينما السعودية انتباه الجميع في جميع أنحاء العالم بقصصها الشعبية الفريدة فيسرد القصص. وإن معرفة الممثلين والممثلات والمخرجين الذين غالبًا ما يكونون معروفين في الأوساط الاجتماعية وهم أصدقاء أو أقارب، تجعل الأفلام تبدو أقرب إلى المنزل وأكثر ارتباطًا.
مع انفتاح البلاد، أدى الاهتمام المتزايد بالثقافة السعودية إلى زيادة الطلب على القصص المحلية التي تروى من خلال عيون صانعي الأفلام الموهوبين. يسمح ظهور الوسائط الرقمية والمنصات الاجتماعية وخدمات البث للمبدعين المتحمسين بمشاركة رواياتهم الفريدة مع جمهور أوسع، وجذب اهتمام المشاهدين على نطاق واسع.
ووفقًا لتقرير صادر عن شركة «برايس ووترهاوس كوبرز»، فإن إحياء دور السينما في المملكة العربية السعودية يمثل فرصة اقتصادية لم يتم استكشافها بالكامل بعد، مع عدد سكان متوقع يزيد على 39 مليون نسمة بحلول عام 2030 وتتمتع البلاد بالقدرة على استيعاب ما يقرب من 2.600 شاشة، مما يشير إلى وجود مجال كبير للنمو في الصناعة. حققت صناعة السينما في المملكة العربية السعودية تقدمًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، وحققت شهرة دولية في مهرجانات الأفلام المرموقة في جميع أنحاء العالم. ففي مهرجان كان السينمائي، كشف صندوق التنمية الثقافية في المملكة العربية السعودية، النقاب عن صندوق لقطاع الأفلام بقيمة 100 مليون دولار. تم تصميم الصندوق خصوصًا لدعم وتعزيز تطوير صناعة السينما والإعلام المحلية، مما يشير إلى التزام البلاد برعاية نموها السينمائي.
من الواضح أن صناعة السينما والترفيه في المملكة العربية السعودية في تطور واسع، وتستعد المملكة لتصبح لاعبًا بارزًا في المشهد الترفيهي العالمي من خلال تقديم عدد من المهرجانات السينمائية الدولية الناجحة التي حجزت لها في سنوات قليلة مكانة كبيرة في جدول المهرجانات العالمية. ومن الخطوات المهمة نحو تحقيق هذه الأهداف إقامة مهرجانات وفعاليات سينمائية لدعم وعرض أعمال صانعي الأفلام السعوديين من المنطقة بالإضافة إلى العالم؛ كون صناعة السينما السعودية اليوم من أهم الصناعات العالمية، مما أدى إلى تأسيس مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في عام 2018، الذي يضم كبار المبرمجين والقيمين والمخرجين والمفكرين السعوديين والدوليين، ويقدم المهرجان كل عام في 10 أيام العديد من أكبر الأفلام الجديدة والمرممة، والصناع والنقاد والمختصين، وهو مهرجان مخصص لعشاق الأفلام وصانعي الأفلام وصناعة السينما العالمية، ويضم إنتاجات دولية ومحلية. وتم تقديم مؤسسة البحر الأحمر السينمائية، وهي منظمة مستقلة غير ربحية تم إنشاؤها لدعم صناعة السينما بالمملكة في إنتاج وتوزيع الأفلام، فضلاً عن التعليم في مجال السينما، وتدعم مبادرات المؤسسة الخطط الطموحة للمملكة في مجال صناعة الترفيه، بما تقوم عليه من مرتكزات المجتمع والاقتصاد.
مهرجان البحر الأحمر السينمائي وفروعه – سوق البحر الأحمر وبرنامج تطوير معمل البحر الأحمر، بالإضافة إلى صندوق البحر الأحمر السينمائي – هو الذي يأخذ زمام المبادرة في تعزيز ثقافة السينما المحلية، بينما يلعب دورًا أساسيًا في جهود السعودية المتضافرة لبناء صناعة السينما والتلفزيون من الصفر.
يرأس محمد التركي مؤسسة البحر الأحمر السينمائية، وتقيم مهرجانها السنوي الخاص بعد أن تمول عددًا من الأفلام، بما في ذلك أفلام تُختار رسميًا من عدد من المهرجانات العالمية مثل: كان، وفينيسيا، وتورنتو، وبرلين، وغيرها. ويعتبر مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وجهة لعشاق الأفلام وصانعيها، وتواصل مع أقطاب السينما من جميع أنحاء العالم في سوق البحر الأحمر السينمائي سنويًا على هامش المهرجان بفتح أبوابه للموزعين ووكلاء المبيعات والمنتجين الراغبين بإنشاء وتطوير مشاريعهم في المنطقة.
يسعى معمل البحر الأحمر بالتعاون مع تورينو فيلم لاب؛ للأخذ بيد صانعي الأفلام ودفعهم إلى الأمام، حيث يتم انتقاء باقة من المشاريع السينمائية، والإشراف عليها فنيًا وإبداعيًا؛ بهدف تطويرها وتجهيزها للمرحلة المقبلة. أما صندوق البحر الأحمر، فيطلق حملة لدعم أكثر من 100 مشروع، بمنح تصل إلى 500 ألف دولار لكل مشروع وفي كافة مراحلها الإنتاجية، سواء لتطوير المشاريع، أو إنتاجها أو دعم عمليات قيد الإنجاز. وتهدف مهرجانات أخرى، مثل مهرجان أفلام السعودية في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء» في الظهران، إلى إبراز المبادرات السنوية التي تقيمها جمعية السينما بالشراكة مع إثراء وبدعم من هيئة الأفلام.
ويقدم المهرجان مسابقات الأفلام والسيناريوهات، ويوسع المهرجان باستمرار هيكله وجوائزه. كما يعمل مهرجان أفلام السعودية على توسيع برنامجه السينمائي ليشمل مجموعة أوسع من الأفلام المحلية والدولية. وتخلق هذه المبادرات منصة للمبدعين المحليين لمشاركة أعمالهم واكتساب الشهرة والتغلب على تحديات بناء صناعة أفلام مزدهرة من الألف إلى الياء. وحقق مهرجان أفلام السعودية منذ انطلاقه تأثيرًا غير مسبوق في تطوير وتمكين صناعة الأفلام المعاصرة بالسعودية.
صناعة السينما السعودية تحدث موجات، ومع أكبر التحديات التي تتمثل في الحاجة إلى المهنيين ذوي الخبرة وفرص التدريب الرسمية. مع نمو الصناعة، سيزداد الطلب على المهنيين الذين يمكنهم المنافسة على المسرح العالمي. وهذا يجعل البرامج التدريبية وورش العمل أمرًا بالغ الأهمية لاستمرار هذا النجاح الكبير.