سوليوود «متابعات»
ظهرت السينما في بداياتها، معتمدة على سلسلة من الصور الثابتة بفواصل زمنية معنية، وظلت مجرد قطع أو لقطات مصورة غير مرتبة، وذلك منذ أول عرض سينمائي جماهيري للأخوين لوميير في عام 1895، وظلت مقتصرة على تصوير القصة بنصب الكاميرا ثابتة، بحيث تكون عمودية على المشهد، ويدخل الممثلون ويخرجون من اليمين أو من اليسار بشكل أفقي.
وفي تلك المرحلة، كان الحدث يصور في نفس الوقت الذي يحصل فيه، فإذا كان هناك مشهد لرجل يركض مسافة 200 متر، فإن مدة اللقطة هي نفس الوقت الذي يستغرقه ركض الرجل، وليس كما يحدث حاليا من قص لبداية الركض ونهايته، اختصارًا في لقطة لا تتعدى ثوانٍ.
أول بوادر المونتاج
وفي العام 1898 ظهرت أول بوادر المونتاج، من خلال الفيلم البريطاني الصامت «!Come Along, Do» للمخرج «روبرت دبليو. بول»، وكان أول الأفلام التي احتوت أكثر من مشهد، ثم شهدت التجربة إضافات متقدمة، حتى تبدو في شكلها الحالي وتُضفي حيوية على المشاهد، وتنقل التصوير إلى مستوى آخر من الإبداع.
ومع التطور الكبير لفن المونتاج، الذي بات يشبه الحياكة التي تجمع قطع القماش الممزقة لتشكيلها في أبدع الأشكال، ومعها تطورت وظيفة المونتاج الكلاسيكية عبر السنين لتشمل مهام أخرى، منها إضافة المؤثرات الصوتية والبصرية، وتصحيح الألوان بوسائل الديجيتال وغيرها.
الخُدَع السينمائية والقطع المتوازي
بعد التجربة الأولى لـ«روبرت دبليو. بول»، جاء المخرج «جورج ميلييس» ليضيف إلى المونتاج بعدًا آخر، من خلال ابتكار الخدع السينمائية مع بدايات القرن العشرين، مما ساعد على تعزيز طرق الحكي، و«ميلييس» يعتبر رائد إضافة المؤثرات البصرية بمساعدة المونتاج، مثل تصوير لقطة لسكين يهوي على رقبة رجل، ثم قطع التصوير وتصوير مشهد لرأس مقطوع، مما يعطي انطباعًا بحدوث القتل.
إلى أن قدّم المخرج «إدوين بورتر» عام 1903، فيلم «The Great Train Robbery»، الذي تكون من 12 دقيقة وعشرة مشاهد في مواقع مختلفة و20 لقطة، وكانت المرة الأولى التي تُعرض فيها الأحداث بطريقة القطع المتوازي، وهي التنقل بين مشهدين يعرضان حدثين مختلفين في وقت واحد، والذي شكّل طفرة كبيرة في بدايات عالم المونتاج.
عرَّاب المونتاج
وفي عام 1915 جاء المخرج «ديفيد غريفيث» الملقب بـ«عرَّاب المونتاج»، والذي يعتبر أول من استخدم المونتاج التتابعي، ليحكي القصص السينمائية بشكل أقرب للسينما المعاصرة عبر عشرات الأفلام التي صنعها، وأشهرها «The Birth Of A Nation 1915» و«Intolerance 1916».
وفي تلك المرحلة كان للمونتاج دور بارع، في تعدد لقطات المشهد الواحد من خلال رصد مشاعر الشخصيات، بلقطات ترصد تحرك الأذرع أو انفعالات الأوجه، وسرعان ما وصلت ابتكارات «غريفيث» لمنظري السينما الروس، الذين درسوها للخروج بنظريات وتطبيقات، تعتبر حجر الأساس في وظائف ومفاهيم المونتاج المعاصرة، والتي يعتبرها البعض القواعد الأساسية للسينما.
المدرسة الروسية
جاء المخرج الروسي «سيرجي آيزنشتين» منتصف العشرينيات، ليضيف بُعدًا جديدًا لفن المونتاج، من خلال نظرية المونتاج الديالكتيكي أو الثقافي، حيث لاحظ أن المونتاج السياقي التتابعي الذي استخدمه «غريفيث»، لم يكن إلا المعادل السينمائي لطرق السرد في الروايات الأدبية، وفكَّر في عرض ثلاث لقطات متتابعة ليست ذات صلة مباشرة ببعضها البعض، بل هي متناقضة أو متصارعة لكنها تنتج معنىً ثقافيًا رابعًا، وهي النظرية التي بُنيت على التشابه بين اللغة والمونتاج.
نقل الروس المونتاج من مجرد عنصر تقني في توليف شرائط السينما، إلى فن قائم بذاته بوظائف إيقاعية وجمالية وشعورية وسردية، ولم يعد المونتاج مجرد عملية ثانوية لجمع المشاهد واللقطات المصورة وإعادة ترتبيها، بعد الانتهاء من تصوير الأفلام إلى ما هو أبعد من ذلك، باعتباره النسيج الأساسي للفيلم.