سوليوود «متابعات»
رحيل المخرج اللبناني برهان علوية في الأسبوع الماضي يحيلنا إلى أعماله السينمائية التي رغم تعددها بين الوثائقي والروائي تبقى متفرقة بقدر ما بقيت حياته رمزًا للطموح الكبير الذي لم يتمتع بالظروف المناسبة لتحقيقه على نحو فاعل ومؤكد، حسبما أشار موقع الشرق الأوسط.
«بيروت – اللقاء» هو أحد أفلامه الروائية القليلة، تقع أحداثه في منتصف السنوات العصيبة التي شهدت الحرب الأهلية اللبنانية، لا يتابع الحرب بل يتابع شخصية بطله الشاب «هيثم الأمين» من تلك الفترة إلى ذلك المشهد الأخير الذي يوفر علامة استفهام كبيرة حول مصيره.
يفتح برهان علوية فيلمه على جدران وأصوات شوارع بيروت، لكنه من قبل ذلك، يمهد لإدخالنا إلى الفيلم بشريط صوتي يصاحب العناوين، صانعو الفيلم يتحدثون عن الفيلم الذي سنراه، يحللون جوانبه السياسية «على طريقة فيلم «مشاهد من حياة زوجية» لإنغمار برغمن» لكن منذ أن تدور الكاميرا ننسى هؤلاء «غالبًا من دون إرادة المخرج» ونتابع حيدر الذي يسكن مع أخيه وزوجة أخيه في بيت خالٍ من الأثاث في عمارة ربما كانت على خط النار أو بقربه، بيروت في واحدة من راحاتها الأمنية.
يقرأ حيدر في الصحيفة أن الاتصالات الهاتفية المقطوعة بين المنطقتين الشرقية والغربية من بيروت قد عادت، ينزل إلى باب العمارة ويجرب حظه مع رقم هاتف صديقته الجامعية زينة «نادين عاقوري» يتفقان على موعد في النهار ذاته لأنها في صبيحة اليوم التالي ستركب الطائرة إلى أميركا، على الطريق يزداد الزحام ويعرقل الوصول في الموعد المحدد أكثر إصرار أحد عناصر الميليشيات على بيع صحيفته ثم البحث عن «الفكة»، زينة من ناحيتها، وبما أن الموعد في الشرقية، تصل في الوقت المحدد لكنها لا تستطيع الانتظار طويلاً بسبب وجود مسلحين يلعبون «الفليبر» ويتعاملون فيما بينهم بلغات سوقية، حين يصل حيدر يكتشف الجو ذاته ويفهم أنها انتظرته فيعود أدراجه وقد فشل اللقاء الأول.
في اتصال هاتفي آخر يتفقان على أن يسجل كل منهما ما يود قوله للآخر على شريط كاسيت ليتبادلا الأشرطة في المطار، وهكذا يمضي كل منهما الجزء الأكبر من الليل يحكي لجهازه كل ما يود قوله على أمل اللقاء في الغد، هذه المرة يصل حيدر مبكرًا، لكنه وبدافع يائس لدفن الماضي وبسؤال محبط عن جدوى اللقاء في ظروف كتلك، يترك المطار ويتلف شريطيه، تصل زينة وتبحث عنه في أرجاء المطار تتهاوى باكية حين لا تجده، الطائرة تقلع بها.
لا ينتهي الفيلم بمشهد الطائرة المبتعدة، بل ننتقل إلى حفلة مقامة على شرف الفيلم بمناسبة انتهاء تصويره. المخرج «ممثل آخر وليس برهان علوية» يناقش وممثلي الفيلم مسألة إضافة مشهد آخر نرى فيه حيدر وهو يُدفن بعدما أقدم على الانتحار، لكن حيدر الممثل، يرفض مقتل حيدر الشخصية، يقطع الفيلم بعد ذلك على مشهد الدفن وقد اجتمع الناس ينتدبون وإذ بحيدر الممثل يهب واقفًا من القبر رافضً أن يموت ومعه الرمز الذي يمثله، إنه يرفض النهاية التي أرادها له مخرج الفيلم، مع ذلك يقفل برهان علوية فيلمه على المقابر الممتدة.
لكن هناك مشهدًا صغيرًا من تلك المصنوعة لكي تبقى عالقة لمن ينتبه إليها، مشهد سير حيدر وحيدًا على شاطئ البحر حيث يقف صياد عجوز يجهز شباكه، لا حيدر يستطيع السفر ولا العجوز لكن البحر الأزرق المفتوح أمام المدينة القديمة يلعب هنا معنى شاعريًا ورمزيًا كبيرًا.