سوليوود «متابعات»
14 عاماً قضاها الشاب الموريتاني محمدو ولد صالحي في معتقل جوانتانامو، من دون محاكمة، أو وجود تهم ثابتة عليه، تعرض خلالها للتعذيب ولكل انتهاكات حقوق الإنسان على يد محققي وضباط أكبر بلد ديمقراطي في العالم.
هذا هو الجانب المظلم من الحكاية الحقيقية التي يرويها فيلم الموريتاني The Mauritanian من إنتاج BBC وإخراج كيفين ماكدونالد، والمأخوذ عن يوميات صالحي نفسه التي نشرت تحت عنوان «يوميات جوانتانامو»، والتي ترجمت إلى معظم اللغات الحية، حسب ما أوردت صحيفة الرؤية.
الجانب المشرق من الحكاية، هو أن صالحي استطاع أن يقاضي الحكومة الأميركية، وأن يحصل على حكم عادل بالبراءة، وقبل ذلك استطاع أن يكون له محامية قديرة تبنت قضيته وظلت تقاوم محاولات التزييف والقمع، دون أن تتعرض هي نفسها للاعتقال أو الأذى، وبجانب هذه المحامية الشجاعة كان هناك رجل شجاع آخر من داخل المؤسسة العسكرية الأميركية، كلف بأن يمثل الحكومة في الدعوى، ولكن عندما اكتشف الظلم الواقع على ولد صالحي، وعلى غيره من المعتقلين، رفض الاستمرار في المهزلة وقدم استقالته وكشف هذه الفضائح للعلن، والجانب المشرق أيضاً هو أن وسائل الإعلام الأميركية تابعت القضية بموضوعية ونشرت يوميات صالحي ودفعت الرأي العام إلى التعاطف معه.
ربما تكون الحكاية التي يرويها فيلم «الموريتاني» مكررة، وسبق لنا أن شاهدناها في مئات الأفلام، والتي تقول ببساطة إن الظلم لا يدوم، وإن العدل يتحقق ولو بعد حين، ولكن الفارق هنا هو أن الحكاية حقيقية وأن شخصياتها أحياء يرزقون وأن أحداثها موثقة بدقة، ويختم الفيلم دقائقه الأخيرة بمقاطع وصور فوتوغرافية للأبطال الحقيقيين، وهو ما يعطي للحكاية مصداقية وتأثيراً كبيرين.
هذا من ناحية القصة، أما من الناحية الفنية للفيلم فهو يضم أيضاً جانبين أحدهما إيجابي والآخر سلبي: طاهر رحيمي في دور محمدو بن صالحي وجودي فوستر في دور المحامية نانسي هولاندر رائعين. رحيمي قادر على التعبير عن البراءة وفي الوقت نفسه يعطي بملامحه وجسده بعض الإيماءات الغامضة التي تثير الشك أحياناً في مدى براءته.
جودي فوستر كالعادة تتألق في الشخصيات النزيهة القوية التي تتمسك بمبادئها مهما حدث، وتتغلب على شكها وقلقها دون أن تنطق بكلمة. كل من رحيمي وفوستر رشحا لجائزتي أفضل ممثل وممثلة ضمن جوائز الغولدن غلوب، وهما يستحقان بالفعل هذا الترشيح.
ورغم الدور القصير الذي يلعبه بندكت كومبرياتش (بطل مسلسل «شيرلوك») في شخصية الضابط ستيورات كوتش، إلا أنه يعرف كيف يعطي للشخصية أبعاداً وثقلاً وهي في الحقيقة أكثر شخصيات الفيلم تركيباً وأهمية، لأنه شخص من داخل المؤسسة يقرر بعد تردد أن ينقلب عليها، حتى أن قائده يصفه بالخائن عندما يخبره باعتذاره عن عدم الاستمرار في عمله مدعياً عاماً في القضية.
أيضا تلعب الممثلة شايلين وودلي دوراً مميزاً كمساعدة المحامية نانسي هولاندر، المترددة بين ما يمليه عليها عملها وبين مشاعرها، وهي تمثل هنا الشخصية التي يتماهى معها المشاهد المحايد، الذي لا يعرف بعد كيف يتخذ موقفاً من القضية.
يعتمد سيناريو الفيلم على التنقل بين الماضي والحاضر ومشاهد العودة في الزمن بكثافة، وذلك بهدف الحفاظ على سرعة الإيقاع، ومع ذلك يعاني النصف الأول من الفيلم من خلل إيقاعي واضح، وينحو إلى البطء غير المبرر قبل أن يستيقظ في ثلثه الأخير، خاصة في مشاهد التعذيب التي تحاول أن تنقل للمشاهد ليس فقط الألم البدني ولكن العذاب العقلي والهلاوس التي يتعرض لها ولد صالحي.
ولكن بشكل عام يمكن القول إن الفيلم لا يرقى إلى قوة الموضوع الذي يعالجه، رغم النوايا الحسنة لصناعه، ومرارة السنوات الـ14 التي يقضيها ولد صالحه في المعتقل لا تكاد تظهر سوى في الدقائق القليلة التي يتعرض خلالها للتعذيب.
يذكر الفيلم في نهايته أن معتقل جوانتانامو ضم ما يقرب من 800 معتقل، وأن 8 منهم فقط صدرت ضدهم أحكام بالإدانة، و3 من هؤلاء الثمانية حصلوا على البراءة في الاستئناف!
هذه الصفحة السوداء كان يمكن إظهارها بشكل أقوى، وحتى دوافع الخوف والألم والرغبة في الانتقام والهيستيريا الجماعية التي انتابت الأمريكيين عقب هجمات 11 سبتمبر كان يمكن أن تقدم بشكل أفضل لنفهم الدوافع والمشاعر الأساسية التي تخلق الظلم.
«الموريتاني» عمل توفرت له كل عناصر صنع فيلم عظيم: مخرج متمكن، فريق ممثلين على أعلى مستوى، قصة قوية وحقيقية، وأحداث مثيرة سواء داخل المعتقل أو خارجه، ولكن شيئاً ما أفسد هذه التركيبة مضمونة النجاح.. أو كما يقال أحياناً عن بعض الناس: كل جزء من ملامحه جميلة، ولكنه غير جميل!