سوليوود «متابعات»
بعد مرور أكثر من عام على استفحال وباء «كورونا» ومشتقاته والاختفاء التدريجي للحياة التي اعتادنا عليها حتى حين ليس بالبعيد، باتت مشاهدة فيلم لا يضع أبطاله الكمامات على وجوههم يثير قدرا كبيرا من الشعور بالغرابة، حسب ما ذكر ت صحيفة الشرق الأوسط.
بات الفيلم المصنوع قبل الوباء (وخلاله) يبدو كما لو أنّه آتٍ من حقبة بعيدة أخرى، أو ربما من كوكب لم يمر بما نمر به. ومع أنّنا سنرى قريباً أفلاماً يرتدي أبطالها الكمّامات، إلا أنها لن تكون سوى جزء صغير من الإنتاجات. الجزء الأكبر سيكون «كورونا – فري». سنواصل مشاهدة شوارع يمشي فيها الناس بشكل عادي. اجتماعات مغلقة في المكاتب. أُمٌّ توصل أولادها إلى المدرسة. مكتبات عمومية. دخول البشر إلى المصاعد الكهربائية وخروجهم منها. جلوسهم في كل مقعد مُتاح بالقطارات والطائرات بلا مسافات تباعد… وكل ذلك بلا كمّامات،
تصوّر فقط كم يبدو المشهد سخيفاً إذا ما ارتدى براد بت كمامة وهو يتغزّل بالمرأة التي يحب والتي تستمع إليه وهي ترتدي كمّامتها. أو إذا وجدنا نيكولاس كايج يضرب الأشرار وهو يرتدي الكمّامة وتخفي وجوههم كمامات أخرى… وكيف سيتعرّض كيانو ريفز لأشرار ماتريكس 4» ويعالجهم بحركاته القتالية محافظاً، في الوقت نفسه، على المسافة الآمنة بينه وبينهم؟ وماذا عن تلك القُبل التي يتبادلها رجل وامرأة أو أم وبناتها أو أب وولده الذي سينضم للجندية أو بين أي شخصين؟
ماذا سنشعر عندما نرى رجلين يتصافحان؟ هل نردد… هذا خداع غير مقبول؟ هل سيكون موقفنا من مشاهدة كل هذه الأمثلة السابقة التشكيك والتكذيب؟ أم أنّنا سنجلس في صالات السينما نتحسّر على أنّنا لم نعد نمارس هذه الحقوق البدهية أو أنّنا لا ننتمي جسدياً إلى الفيلم ذاته؟ هل سنفكّر في أن نخطو بضع خطوات إلى الشاشة فلربما استطعنا لمسها والدخول منها إلى الفيلم الخالي من «كورونا»؟
أفلام أولى
مهما كان الجواب فإنّه لا يأتي بلا حسرات. كل أنواع الأفلام التي صُنعت منذ 1900 إلى 2020 تبدو آتية من حياة أخرى أجمل. والتي ستأتي خلال 2021 أو بعده ستبدو مُغايرة للواقع من دون كمّامات. إلى هذا الحد يبدو كل شيء غريبا عنا، بالإضافة إلى الطريقة التي بات فيها معظمنا يشاهد الأفلام، ما يعني أنه لو انتشر الوباء في العالم قبل اختراع الكومبيوتر المنزلي وباقي أدوات «الفرجة» اليوم لبقينا بلا أفلام على الإطلاق.
الواقع يتبرّع بالإشارة إلى أنّنا سنشاهد أفلاماً عن الوباء ومن وحي حكاياته، وسنتابع أحداثاً من تلك التي تعكس ما نحن عليه اليوم.
شركة STX Films باشرت عرض فيلم رعب بعنوان Songbird حول الوباء أنتجه لحسابها المخرج مايكل باي وحقّقه شاب اسمه آدم مايسون.
يتحدّث الفيلم عن محاولة شاب إنقاذ حبيبته من الأشرار الذين يريدون غزو بيتها، بينما تفرض السلطات حظر التجوّل على كل مدن الولايات المتحدة.
هذا الوضع لم يعد خيالاً جانحاً، والأكثر دلالة منه هو الفيلم الصيني الجديد «76 يوما» للمخرجين وايكسي تشن وهاو وو.
«76 يوما» لا يروي حكاية فهو فيلم تسجيلي دارت كاميراته لمواكبة تفشي وباء «كورونا» في مدينة ووهان قبل نحو سنة. هذه المواكبة ليست بالأمر السهل، وتتجاوز، كما نرى في الفيلم، صور السقوط صرعى الوباء المتفشي لتحيط بالعمليات المعقدة التي تدور في المستشفيات التي فوجئت بانتشار الوباء كما سواها من المؤسسات.
إنّها الأيام الأولى من تفشي الفيروس، حددها الفيلم بـ76 يوماً عصيبة على المرضى والممرضين والأطباء. كيف خسر البعض حياتهم ونجا آخرون. من اشتكى طول العلاج ومن استسلم. يرمي الفيلم نظرة فاحصة على ما يواجهه المستشفى وفريقه من حالات وكيف يتصرّفون، وكيف يحاولون الالتزام بالإجراءات الضرورية، أو تلك التي أمر بها المسؤولون. يخرج الفيلم من بين جدران الغرف وممراته إلى مدينة مقفلة ومقفرة تعكس ذلك الواقع الجديد الذي لم يمهل أحداً بل ساد الحياة في ومضة.
خلال معاينة الفيلم للواقع يمر على مشاهد مؤثرة وبالقدر ذاته مخيفة. هناك رجل يلتوي ألماً. وامرأة ترجو الممرضين السماح لها بمشاهدة والدها قبل موته من ثمّ بعد موته لإلقاء نظرة أخيرة. هناك اندفاع حقيقي من قِبل العاملين في المستشفى لإنقاذ المصابين ولإجراء الفحوصات لمن لا يعلمون إصابتهم بالفيروس أم لا. الفيلم حيوي ونشط، ولو أنّه غير ممنهج على نحو تأسيسي. وبعض مشاهده لا تأتي بجديد، بل تعود إلى حالة تركها قبل قليل لتصوير المزيد منها. لكنه آسر بحقيقته في كل لحظة.
ما لا يذكره مطلقاً هو ما إذا كان الفيروس يحمل هوية منشأ صينية (كما أكّد دونالد ترمب أكثر من مرّة) أم لا.
فيلم صيني آخر عن الوباء وتفاعلاته بعنوان «عالق» لجيادونغ كجي. هو فيلم روائي قصير بتنفيذ جيد ومتكامل. بطله رجل أعمال صيني يقود سيارته عائداً إلى منزله في أول يوم حظر الخروج أو الدخول من وإلى ووهان. لم يكن يعلم بذلك القرار إلى أن منعه الحاجز الأول من التقدم. يستدير ويجرب طُرقاً من دون نجاح. يجد نفسه عالقا على الطرق السريعة ومتفرعاتها وينتهي الفيلم به وهو أمام سيارته يتحدّث مع زوجته التي كانت تنتظره قبل ساعات كثيرة.
نبوءة سودربيرغ
الوباء المتفشي ليس موضوعاً جديداً في السينما. أفلام كثيرة تحدّثت عن الأوبئة وتعاملت مع الذعر الذي يصيب الناس ويقضي عليهم ويغزو المدن ليتركها أوكار موت مخيفة. وخلال العام الفائت لم يفت العديد من النقاد والمتابعين فيلم ستيفن سودربيرغ «عدوى» (2011) الذي تعامل مع وباء قاتل لم يكن اسمه «كورونا» آنذاك لكنه حمل كل علاماته وخصائصه.
وحسب مقالات في مجلات علمية بينتها (ذي نيو سيانتيست) فإن «عدوى» هو أكثر فيلم روائي احتوى على تفاصيل وحقائق، كما لو أنّ صانعيه بحثوا في خصائص الوباء، ودرسوا احتمالات ما قد يحدث تبعاً له. هذا محتمل كون الكاتب سكوت ز. بيرنز والمخرج سودربيرغ استعانا بعالم الأوبئة الدكتور إيان ليبكن لتوفير المعلومات في كيفية انتقال وباء قاتل من الحيوانات إلى البشر بضراوة غير مسبوقة.
يبدو «عدوى» حين مشاهدته مجدداً، كما لو أنه صُنع اليوم وليس قبل 10 سنوات. فالعدوى تنتقل من الخنازير والوطاويط، وهي تنطلق من الصين، وتنتقل بالمصافحة والتقارب واستخدام الأدوات اليومية. ويتنبأ الفيلم، إذ يسرد حكاية افتراضية في الأساس بسقوط 70 مليون ضحية نتيجة الوباء الذي ينتشر في أسبوعين ليعم الأرض.
السينما حذّرت طويلاً
إلى جانب هذا الفيلم، وغالباً قبله، خرجت أفلام عديدة حول الجرثومة القاتلة ولو تحت مسميات كثيرة. والعديد من هذه الأفلام لم تفكّر بوباء محدود بل بآخر قادر على الانتشار إذا لم يسارع المسؤولون للحد من قوّته.
المخرج إيليا كازان أخرج سنة 1950 فيلما بوليسيا بعنوان «ذعر في الشوارع» وفيه مجرم هارب من القانون (جاك بالانس) لا يعرف بأنه مصاب بمرض معد قد ينتقل إلى سواه في غضون ساعات إلّا إذا استطاع طبيب يعمل في الجيش إيقافه. للغاية يستعين بشرطة مدينة نيو أورليانز.
في العام ذاته، وعبر حكاية لا تبتعد عما ورد في فيلم إيليا كازان نجد «القاتل الذي اقتفى نيويورك» وهو فيلم منسي بالمقارنة يتحدث عن مهرّب التقط الجدري وقد ينشره بين العمّال ومنهم إلى عموم نيويورك.
على نطاق عالمي حقّق الأميركي جون ستيرجز سنة 1965 فيلم «حشرة الشيطان» عن وباء تسرّب من مختبر، وقد يهدد الحياة على الأرض إذا لم يلق القبض على الفاعل. وفي السبعينات من القرن الماضي شاهدنا «سلالة أندروميدا» لروبرت وايز و«عبور كاساندرا» لجورج ب. كوزماتوس والمختلف في هذين الفيلمين أنهما تمتعا بميزانية ومعايير إنتاجية أعلى من تلك التي سبقتها.
ويستوقفنا في سنة 1979 فيلم «وباء»، حيث يؤدي انقطاع الكهرباء في مختبر علمي على حين غرة لخطأ في تجربة علمية ينتج عنها انتشارها سريعاً وسقوط ضحايا داخل المختبر وخارجه. إنّ أفضل ما أُنتج في السنوات العشرين الأخيرة من القرن السابق كان فيلم «تفشٍ» لولفغانغ بيترسون مع رينيه روسو ودستين هوفمن وكفن سبايسي الذين يجاهدون لإيجاد لقاح ضد وباء ضرب ولاية كاليفورنيا عبر قرد جُلب من أفريقيا.
ومع أنّ كل هذه السيناريوهات المطروحة تتوقع حدوث ما تتداوله من تحذيرات، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت الاهتمام الجلي بالتفاصيل من ناحية اقتراب الأفلام المنتجة في هذا الشأن من الواقع المعاش. وهناك «احتواء» الذي فضّل البحث فيما قد يحدث إذا ما أخفت الحكومة خبر انتشار الوباء عن الشعب. هذا الفيلم أُنجز سنة 2015 بعد سبع سنوات من تقديم البرازيلي فرناندو ميريليس «عمى» عن وباء يفقد الناس بصرهم بسببه من بطولة مارك روفالو وجوليان مور.
هذه الأفلام وغيرها ما هي إلّا بعض من عشرات الأفلام التي أُطلقت بما فيها أفلام صينية وكورية ويابانية وروسية أيضاً.
كذلك من دون حسبان كل تلك الأفلام التي تحدثت عن الحياة على الأرض من بعد أن فشل العلم والسلاح والسياسة في إنقاذ الكوكب حيث نعيش. آخر هذه الأفلام «مدنايت سكاي» لجورج كلوني الذي انتقل إلى ما بعد موت الحياة على الأرض بسبب حرب استخدمت الكيماويات حيث انتشر ذلك حول العالم وأتى عليه.
هل نعتبر كل هذه الأفلام بمثابة تحذير أو هي أقرب إلى النبوءات المحقة؟ سؤال يوجهنا صوب وضع أكثر تعقيداً وخطورة مما نحن عليه الآن.