سوليوود «خاص»
تشكل البيئة المحيطة بصناع الأفلام والمبدعين أرضًا خصبة لاستلهام الأفكار، ومعالجتها إلى نصوص أدبية وأعمال فنية تتمحور حول ما يدور في فلك هذه البيئة، من خلال استدعاء تاريخها وثقافتها في مختلف الحقب الزمنية.
ولا غرابة في أن تتأثر هذه الأفلام بتلك الشواهد والأحداث التاريخية، التي مهما ابتعد عنها البعض، تجدها تجذب آخرين لتجذرها في أولئك الذين تشربوها وتمكنت منهم، فقد قيل قديمًا “إن الإنسان هو ابن بيئته”.
ومن خلال ذلك يجد المتابع للفيلم الإسباني “صمت المدينة البيضاء” الذي تدور أحداثه حول قاتل متسلسل، يقتل ضحاياه بطريقة متشابهة كل خمس سنوات، مشاهد شبيهة بالأساليب المستعملة في التعذيب أثناء الفترة المعروفة تاريخيًا بمحاكم التفتيش التي أسسها الملوك الكاثوليك فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى في 1478 بموافقة البابا سيكستوس الرابع، بعد سقوط الأندلس، قبل إلغائها نهائيًا سنة 1834 في عهد إيزابيلا الثانية.
إذ يقوم الصحفي “ماريو سانتوس” الذي يجسد شخصيته الممثل “مانولو سولو”، بتخدير ضحاياه، وابتكار طريقة موحدة لقتلهم، من خلال ربط أطرافهم الأربعة على طاولة ممتدة والقيام بإدخال أنبوب مصمم خصيصًا لذلك في فم الضحية بعد أن يستفيق، وإدخال كمية كبيرة من النحل إلى جوفه ليقوم بدوره بالتسبب في آلام شديدة للضحايا قبل أن يموتوا جراء ذلك، في كل مرة رجل وامرأة في نفس العمر، ويقوم بترتيب جثثهم بناء على معتقدات دينية، كما هي الحال تمامًا مع محاكم التفتيش التي عملت على ابتكار العديد من آلات التعذيب والقتل في تلك الحقبة.
ويدور الفيلم المثير حول محاولة المحقق الشاب “فاريا” الذي يقوم الممثل “خافيير ري” بتجسيد شخصيته بفك رموز جرائم القتل المتسلسلة، من خلال تتبع بعض الرموز في مسرح الجريمة التي تعود إلى القرون الوسطى، ومحاولة ربطها بالقاتل، ليتفاجأ بالعديد من الأحداث الدرامية غير المتوقعة، قبل أن يكتشف هوية الفاعل، وهو من إخراج “دانيال كالبارسورو”، ومن بطولة “بيلين رويدا”، و”خافيير ري”، و”مانولو سولو”.
وكما كان دافع محاكم التفتيش الحفاظ على العقيدة الكاثوليكية في الممالك الإسبانية، والانتقام من المسلمين واليهود الذين تنصروا في ذلك الزمن، كان دافع “ماريو سانتوس” كذلك الانتقام من شقيقيه اللذين استأثرا بثروات العائلة الغنية، بعد أن تم التخلص منه بعد ولادته مباشرة، وإرساله لعائلة فقيرة قامت بتربيته، في سيناريو يجعلنا نتساءل حول علاقة السينما الإسبانية بمحاكم التفتيش، واقتباس الأفكار منها.