ابتهال العمودي
لستُ من مؤيدي تحويل الروايات لأعمال تلفزيونية وذلك لأننا لا نمتلك بالخليج الأدوات اللازمة لهذه العملية وأهمها السيناريست القادر على كتابة نص مكتمل العناصر خالي من الحشو والتمطيط بالأحداث على مدى 30 حلقة.
ولكن حين قرأتُ رواية (إقبال يوم أقبلت) إنبهرت بدقة الدكتور حمد الرومي بنقل تفاصيل التفاصيل عن مرض (الرعاش) ،هذه الدقة التي نادراً ما تتواجد بالنصوص التلفزيونية أو السينمائية بسبب وجود كُتاب لا يفقهون الكثير بمجالات معينة كالطب ،القانون أو الخدمة الإجتماعية وبُناءًا عليه نرى العجب من أخطاء فادحة وتجاوزات لميثاق المهنة المكتوب عنها.
(إقبال يوم أقبلت) لم يأتي من حيث القصة بخطوط درامية جديدة ولكنه حصل على الأسبقية بتناوله لمرض (الرعاش) كعامل مهم بخلق أحداث مرتبطة بالشخصية الرئيسية ،إلى جانب معالجة درامية إستثنائية قدمت للمشاهد من جهة بديلاً عن كتاب (الرجال من المريخ والنساء من الزُهرة) لمن لا يقرأ و إستشارات زوجية وأسرية مجانية لمن لا يدفع ،فأتى بخُلاصة ما يجب أن تكون عليه علاقة الرجل بزوجته ،إما من خلال رسم الشخصيات أو عبر الحوارات الثريه بمضمونها ،البسيطة بشكلها والواقعية بصياغتها.
ومن جهة أخرى تضمن النص رسائل عامة ومُثل عُليا جعلته أقرب للدراما التربوية منه للإجتماعية ،فمن نصائح بزة لإبنتها بضرورة إلتزام الغريب للأدب في حضرة آخرين ،إلى دروس التعامل مع ذوي الإحتياجات الخاصة ،الخدم ،والمعارف ،مروراً بأهمية العلم والتعلم وملاحقة الأحلام حتى تصيرُ واقعاً.
قدم الدكتور حمد بهذا العمل شرح مفصل لمقولة “وراء كل رجل عظيم إمرأة” مما يعني أن وراء كل (بدر) مُتعطش للحب والعاطفة على الدوام ،(بدر) بمواصفات طفل يعشق اللعب مع الفتيات ولكنه يعود ليلاً للنوم بحضن والدته وهو يغني “إيدك خليها بإيدي أنا طفل كبير” ،(إقبال) الفتاة “الشاعرة” بمن حولها ،الطموحة ،القوية ،الأم الصح ،الزوجة المُتفهمة لقاعدة التنازل من أجل إستمرار الحياة إحتراماً للعشرة و لأهمية صورة الأب بعيون أبنائه.
ولن ننسى أن (صلاح الملا) قدم أداء مذهل بتجسيد شخصية (بدر) حسب إشادات المتابعين والنقاد مما صبغ الثنائية بصبغة واقعية وجعل هذا النص قريب من المشاهد العربي وما يدور داخل البيوت وبين الأزواج .
بالإضافة إلى تفوق ( منير الزعبي) على نفسه بإعتماده على هذا الأسلوب السينمائي بالإخراج ،فلا أعتقد بوجود مسلسلات صُورت بفكرة “اليوم الواحد” ومع أنه إستعان بالفلاش باك بشكلٍ مُفرط إلا أن الأحداث جرت بتناغم وحرفية عالية ،فقفز بين المراحل الزمنية المختلفة بكل سلاسة وخفة كما يتنقل عازف الناي بين النوتات مؤلفاً لحناً يستحق الخلود.
ولكن يظل الأبرز بهذا العمل هو (هدى حسين) ،كقارئة فضلت لو قُدمت الرواية كعرض مونودراما مسرحي يتضمن محكمة تترافع بها (إقبال) أمام القاضي الذي أخذ البحرُ دوره فتشكو إليه جحود الحياة بمن فيها ، أما كمشاهدة فلم أجد تنافراً مابين (هدى) و (إقبال) بل على العكس تماماً فأنا لم أستطع التمييز بينهما وكأن المؤلف و بدون أن يقصد كتب (هدى) بين سطوره ،كان هناك تخوف من أن تقع (هدى حسين) للمرة الثانية بفخ الدور الجيد بعمل عادي كما حدث معها في 2012 بمسلسل (حلفت عمري) لكن “اللي تخاف منه ما يجيك أحسن منه” و (هدى) طائر يُغرد خارج السرب وهي دائماً بحجم التحدي فهيذي كسرت القاعدة وإرتبط إسمها بثاني أفضل رواية منقولة للتلفزيون من بعد (بسمة منال) .
لا أُبالغ أو فلتكن إن وصفت (هدى حسين) بأنها مطر أينما وقع نفع ،سائل يأخذ شكل الوعاء الذي يحتويه أو تطبيق الأغاني الذي يجمع كل أنواع المزاجات ،يبكينا ،يضحكنا، يرقصنا ،يطربنا وهو تحت أمرنا ،فهي بارعة حد الحيرة ،أدائها الصادق تجاوز الصدقَ حتى بات المشاهد مُتأكداً بأنها تُقدم ردود فعل حقيقية تُزلزل بها مشاعره و تلامس إنفعالاته فيشعر بأنها لسان حاله بالمواقف المختلفة ، تمتلك إنسيابية بالتنقل مابين التراكيب الشخصية المتنوعة والمراحل العمرية المختلفة بطريقة مُريحة لعين و منطق المشاهد ،حالة فنية مميزة خلقت فنانة برتبة مدرسة أبسط دروسها وأقلها تواضعاً يصنعُ نجماً لا منافس له ،لهذه الأسباب نأمل أن تُعاود (هدى) التخلي عن منطقتها الآمنه لتتقمص أدوار جديدة بعيدة عن الطيبة والمثالية ،منطقة بها تجارب شبيهة بشخصية (فايقة) التي قدمتها في 2008م.
شكراً طاقم عمل (إقبال يوم أقبلت) عليكم الدرس وعلى غيركم التعلم …