سوليوود «مالمو»
خمسة أيام من السينما الجميلة والمدهشة والمثيرة، مفعمة بالأفكار والأطروحات الجديدة، عاشها الجمهور مع مهرجان مالمو للسينما العربية فى دورته التاسعة. هذا المهرجان الذى تكمن أهميته بمنحه فرصة للجمهور الغربى بالسويد أن يطلع على أحوال عالمنا العربى من خلال الشاشة، وأن يترك هذا الانطباع الجديد بأنه فى هذه المنطقة من العالم يوجد فن ومبدعون يشكلّون صورة مختلفة عن المعهودة بأن العالم العربى غارق فى صراعات قضاياه الداخلية.
كما أن تجمّع عدد كبير من النقاد والسينمائيين والفنانين ووجودهم بمدينة أوروبية فى تلك التظاهرة شىء مهم، هذا الحضور سيكون لافتا، ويشير إلى هذا الحراك الثقافى الابداعى بمهرجان مالمو والذى اصبح مكانا للتفاعل بين الثقافة العربية والغربية، ويكشف عبر فعالياته عن عدد من اهم الانتاجات السينمائية العربية الحديثة والمهمة التى تعكس رؤى مبدعيها تجاه قضاياهم والتى تحرص ادارة المهرجان برئاسة محمد قبلاوى على جلبها بوعى ومعه مسئولو البرمجة.
من المؤكد ان الجمهور يكتشف ويتفاعل مع تلك القضايا، وبالتالى تنعكس صورة العربى على الشاشة للمواطن الأوروبى، ويكتشف عالما من الابداع ربما لم تتح له فرصة للاطلاع عليه، لأن الأفلام العربية قليلا ما تعرض فى صالات العرض بالخارج، هذا الكم من الأفلام «47» فيلما، يتيح له فرصة لأن يطلع على سينما عربية مهمة.
الشئ الآخر أن تلك المشكلات التى نعانى منها فى عالمنا معكوسة فى تلك الافلام، وتظهر ان هناك مبدعين ربما لهم وجهات نظر مختلفة عما هو سائد، مثلا نظرة مختلفة للمرأة، لاختلاف الثقافات، نظرة مختلفة إلى الآخر، كل هذا من خلال الأفلام ومن المؤكد ان الجمهور السويدى بحضوره هذا النشاط والافلام ومناقشاته حولها، وبالتالى تنعكس صورة العربى الموجود على الشاشة فى ذهن الاوروبى، هذا جانب مهم بالنسبة لنا كعرب بالحضور الثقافى الذى يعد اول السبل للوصول إلى الطرف الثانى.
وفى شهادته على دورة المهرجان هذا العام قال الناقد السينمائى قيس قاسم ــ عضو لجنة التحكيم: دون شك وجود السينما يساعد على وصول رسالة بأن هذه المنطقة بها حراك سينمائى وثقافة غير الانغلاق على قضايا محلية، وربما تخلق ممرا جديدا بين الشرق والغرب.
كان من المهم أن تتمثل كل طوائف السينما العربية بالمهرجان خلال أيامه المصرية والمغاربية، ومن المشرق، وأظن أن إنتاج هذا العام متوسط، ليست هناك أفلام كبيرة جدا وليست هناك اخرى ضعيفة، فهو يعكس حالة السينما العربية إلى حد ما، وخاصة المصرية، فهناك أفلام مصرية تعكس حيوية شباب مثل فيلم «ليل خارجى» لمخرج شاب وطموح هو أحمد عبدالله السيد والذى فاز بجائزة أحسن فيلم فى هذه الدورة، على المستوى المغاربى
هناك تطور مشهود، فهناك افلام من تونس والجزائر والمعرب عرضت بالمهرجان مثل فيلم «فتوى» و«مباركة» وغيرها، الشىء الآخر هو إتاحة فرصة للسينما غير الروائية هناك افلام وثائقية مهمة وبشكل خاص من لبنان، ونشير إلى فيلم نعتبره درسا كبيرا وهو «تحت التحت»، وأيضا هناك فيلم «اشتغالة» وفيلم «الكيلو 64» الذى يطرح مشكلات الشباب الذين يتجاوزون مشكلات الروتين والبطالة، وايضا هناك بعض الأفلام التى بها كثير من الاجتهاد والتجريب مثل فيلم جودمورنيج، إلى اعتباره من الافلام المهمة فى هذه الدورة، لأنه يخرج عن الإطار التقليدى ويحاول ان يقدم نظرة مختلفة فى السينما.
الظاهرة الايجابية الملفتة هى النجاح الكبير الذى حققته السينما المصرية، حيث استقبل الجمهور فيلم «ليل /خارجى» للمخرج أحمد عبدالله بترحاب وإعجاب كبيرين، وحصل بطلاه شريف الدسوقى ومنى هلا على كثير من عبارات الثناء على أدائهما المدهشين، وكانت لفتة ذكية من ادارة المهرجان أن قامت بعمل عرض للفيلم فى كوبنهاجن، وشهد حضورا جماهيريا مميزا، استحق الفيلم فى ليلة الختام جائزة أفضل فيلم بالمهرجان، حيث اكدت لجنة التحكيم أنه عمل له روح خاصة وسلاسة فى الأداء الذى تميز بالارتجال باعتراف أبطاله وتقديم قصة إنسانية لنماذج متشابكة متصالحة مع نفسها.
والامر نفسه انعكس على فيلم الضيف للمخرج هادى الباجورى الذى استحق اعجاب الجمهور ليمنحه جائزة الأفضل عبر تصويت ليلة العرض.
وقال الفنان شريف دسوقى عن تواجده لأول مرة فى مهرجان مالمو بالسويد للافلام العربية: للأمانة ما يميز المهرجان انه يقام على أسس بسيطة دون تكلفة كبيرة، القاعات صغيرة وشيك ولا توجد أى بهرجة من حيث الافتتاح والختام، غير اننى أتوقف امام قلة عدد ايام المهرجان، اما عن احساسى بالفوز بجائزة أفضل فيلم روائى طويل لهذا العام، منذ قدومى لمدينة مالمو، وهناك أمارة يرسلها لى الله، اننا سنحقق شيئا ما، ويتأكد هذا الاحساس بعد ليلة العرض الأولى، من آراء الجمهور بمختلف جنسيته إلى جانب أننى أؤمن بالجانب الذى ينمو بداخلى يوما بعد يوم، وهو ما يخرج من القلب يصل إلى القلب.
بينما أثار فيلم الختام «يوم وليلة» الذى شهدت شاشة المهرجان عرضه العالمى الأول حالة من الاعجاب للتجربة الجديدة للمخرج أيمن مكرم والمؤلف يحيى فكرى وبطولة خالد النبوى وأحمد الفيشاوى ودرة وحنان مطاوع وخالد سرحان وحمد عادل وجمعة، تلك الحالة جاءت من الموضوع وتناوله الواقعى والجرىء لقصة كبرى متشابكة المعالم لمجموعة من الأشخاص فى رؤية سينمائية محبكة.
ويأتى فيلم «فتوى» الفائز بجائزة أحسن ممثل لبطله أحمد الحفيان، بحق جريء فى طرحه الموضوعى، ونبشه فى جوانب مظلمة، لينير للمجتمع الطريق، سيذكره العديد من التونسيين طويلا؛ لأنه انتصر لإرادة وحب الحياة وتصدى بمصداقية لثقافة العنف والظلامية.
المخرج التونسى محمود بن محمود، وفيه يصور وقائع الحياة اليومية للتونسيين من خلال التحولات السياسية والاجتماعية، بل والتراجيدية التى عاشها التونسيون عقب وصول الحركة الإسلامية للحكم بعد انتخابات أكتوبر 2011 وانتهت بحصيلة دموية كان ثمنها غاليا.
قدم الفيلم صورة سينمائية واقعية أكثر من رائعة عبر سيناريو ذكى ومتناغم، حيث طرح قضية تجنيد الشباب التونسى بالتيارات الدينية وتسفيرهم للانضمام إلى الجماعات الدعوية، والتشجيع على ممارسة العنف، دون شعارات أو صورة زاعقة، فنحن لم نر سوى «تطشات» بسيطة عن هذا العالم المتشدد، حتى مروان نفسه لم نشاهده، فى سرد القصة، اختار محمود بن محمود أن تكون أحداثه واقعة عام 2013، وهو العام الذى شهد مآسى عدة، الفيلم بمثابة شهادة ورؤية فنية ثاقبة، تطرح العديد من التساؤلات، فلم يكن سفر الاب، وانفصاله عن زوجته مبررا حتميا لانخراط الابن فى تلك الجماعات والتنازل عن أحلامه وتبديلها بكوابيس أودت بحياته لمجرد أنه اكتشف اوهام عالمه الجديد، وهو ما لمسناه فى لحظة عتاب بين الابوين ليهمس كل منهما بمسئوليته عن وفاة الابن، لكن المخرج وسياق الأحداث كان هدفهما أكبر من ذلك، فالقصة اهم من الاعتراف بالذنب، فى مشاهدها يكمن تغلل هذا التيار واستغلاله الفرصة ليلعب بعقول وأفكار ضعفاء جيل.
من أفلام المسابقة الروائية الطويلة بالمهرجان «مباركة»، وفازت بطلته فاطمة عاطف بجائزة أحسن ممثلة، يحكى الفيلم قصة الشاب عبدو (المهدى لعروبي)، الذى يعيش بضواحى مدينة تجثم على ثروة معدنية ضخمة رفقة أمه بالتبنى امباركة (فاطمة عاطف) التى حرمتها الظروف من نيل نصيبها من التعليم هى الأخرى، لكنها طورت مهاراتها الذاتية وتحولت إلى معالِجة لسكان الحى مما أكسبها هيبة ووقارا أمام الجميع.
يحاول الشاب التخلص من حالة الجمود التى يعيشها عبر الخوض فى التعلم الذاتى للقراءة والكتابة. يكتشف عبدو إصابة صديقه اشعيبة (أحمد مستفيد)، البالغ من العمر ثلاثين سنة، بمرض جلدى، فنصحه بأن يبحث عن العلاج، لكن حياته ستواجه منعطفات كثيرة نتيجة تطور العلاقة فى ما بينه وبين معالجته، وارتكابه لعدة تصرفات طائشة، خصوصا أنه تحول من بيع السمك إلى امتهان السرقة، وتعنيف الناس وشتمهم، وهى أمور عرضته للمتابعة من الشرطة، فصار شخصا تصعب السيطرة عليه.
اختار المخرج تصوير وقائع وأحداث فيلمه بفضاءات مدينة هامشية، حيث صور بحساسية فنية تتناسب والأبعاد النفسية والاجتماعية للشخوص، وقدرته على الدمج بينها، وتوحيدها بصريا رغم تباعدها الجغرافى، فبعض الأماكن تتواجد بالدار البيضاء، ولكنها تنقل المتفرج إلى عوالم مدينة خريبكة ونواحيها ما يضفى على الحكاية صدقيتها الواقعية، ويمنحها انسجامها التخييلى القائم فى عمقه على النبش فى قضايا الهامش، ومناقشة الاوضاع المستعصية لسكان بعض المدن المعدنية الغنية بالمغرب استنادا على شخصيات يمتزج فى نسجها الواقعى (الوثائقي) بالدرامى».
ومن أجمل الافلام التى عرضها مهرجان مالمو فيلم «تحت التحت» التى فازت مخرجته ساره قصقص بجائزة أحسن إخراج لفيلم وثائقى طويل، وكما يقول الناقد قيس قاسم عضو لجنة التحكيم انه فيلم ينقلنا إلى بيروت الخجلة من فقر سكانها، والمُخفية لجوانب من عالمها البشع، حيث تعيش أرواح معذبة فى مدينة حيوية قاسية، بعيدا عن الوجه السياحى المعروف لبيروت، فهل تعرفون الوجه الآخر لبيروت؟
فى الفيلم تخوض المخرجة اللبنانية سارة قصقص مغامرة البحث عن تفاصيل مدينة بيروت فى لحظة اكتفائها الذاتى المحزن، وذلك عبر ثلاث شخصيات تعيش أوضاعا مزرية، وتعانى من الاختناق والوحدة.
الفقر ليس وحده من يجمعهم، بل المدينة ذاتها المهددة بمشاكلها وعجزها عن توفير مناخ سوى لسكانها، فتغدو بذلك عبئا على نفسها وعلى الآخرين.
هكذا تبدو المدينة والشخصيات الثلاث عينا لالتقاط تفاصيل عيشهم اليومى فى مكان يلفظهم، ومع ذلك أصروا على المكوث فيه على أمل تحسّن أحوالهم، واقترابهم يوما ما من مساحاتها المريحة.
أمنيات تعاند اليأس وتُكرّس الإنسانى عند سائق سيارة الأجرة «أبو حسام» الذى هرب من مخيم شاتيلا، واختار العمل والنوم داخل سيارته، فيما يأمل الصبى السورى «على» فى ملاقاة صديقه الأقرب بعد أن تركه وحيدا يواجه عالما صعبا، لا فرصة للهروب من مواجهته إلا باللجوء إلى البحر، وبعض ما يوفره من صداقات عابرة ومأوى مفتوح على عراء، لكنه يظل عرضة للتَغيُّر مثل حركة أمواجه، فيما تأمل سامية اللبنانية فى بيت أنظف لعائلتها، ومكان مريح لقططها.
ثلاث حيوات أرادت عبرها قصقص عَكْس أحوال بلاد مأزومة سكانها خائفون من مواجهات محتملة، ومن شحّ فى الخدمات تدفع حتى الأوفر حظا فيها إلى التذمر والشكوى من غياب دولة تلاشت فعاليتها منذ زمن بعيد، وما عادت قادرة على إقناع أحد بوجودها.
«تَحت التَحتَّ»؛ عبارة مكثفة تُحيل إلى معنى مؤلم، وتعبير ضمنى عن أقصى درجات البؤس الاجتماعى، وهى عبارة وردت على لسان السائق أبو حسام، ثم صارت عنوانا لفيلم تبنّاها واستقر على رصد ذلك القاع الذى تشير إليه.
مدينة بيروت فى «تَحت التَحتَّ» لا تشبه بيروت السياحية الشكلية المظهر، فهى فى الفيلم مدينة تُخفى جوانب من عالمها البشع، وتخجل من فقر سكانها، فيما تُصرّ كاميرا مصورة «جو سعادة» على التقاطها بحيادية، والقبول بها بوصفها جزءا من واقع مرشح أن يعم، وحينها ربما لن يعود القاع استثناء.
يجىء فيلم «مفك» الذى عرضه مهرجان مالمو للمخرج الفلسطينى بسام برجاوى والحاصل على جائزة أحسن سيناريو ليقدم صورة غير نمطية للأسير الفلسطينى، لكنه يتطرق بوضوح معاناة الأسير بعد تحريره وكيفية تأقلمه مع الحياة، فى رحلة صادقة فى مشاعرها وهدفها، فالموضوع هنا مختلف، فلم نشهد سوى مجرد مشهد أو اثنين من التعذيب، لكنهما لم يشكل عصب الطرح، بل هو كيف يعيش بطلنا حياته بعد سنوات طويلة من المكوث بالسجون الإسرائيلية.
أحداث الفيلم تبدأ عام ١٩٩٢، بطلنا هو زياد الذى يعشق فريق كرة السلة فى مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين شمال مدينة رام الله، يحاول هو وأصدقاؤه الانتقام لما يحدث من تجاوزات من قبل المحتل، وخاصة بعد مقتل أحد اصدقائه «رمزى»، برصاصة من المستوطنات الاسرائيلية، وبينما تتردد أخبار فى المذياع عن فشل زيارة وزير الخارجية الأمريكى كولن باول، يشارك زياد وقد ازداد شعوره بالغضب فى اطلاق الرصاص على رجل يعتقد انه اسرائيلى، فيتم القبض عليه ويدخل السجن 15 عاما، يخرج بعدها شخصا مختلفا لا يستطيع التكيف مع محيطه. رغم الاستقبال الحار من أهل المنطقة ومعاملته كبطل من الأهل والشارع والأصدقاء الذين يحتفون به.. تنقلب حياته رأسا على عقب، فبعد خروجه من السجن وجد نفسه فى مواجهة واقع يصعب عليه التكيف معه ذهنيًا ونفسيًا، ما يؤثر فى علاقته بأمه وبسلمى بنت المخيم، التى تحاول ان تحرك قلبه، وأخته التى تشجعه على الارتباط.
ومخرجة الأفلام الوثائقية الفلسطينية الأمريكية مينا، التى كانت تصنع فيلمًا وثائقيًا عنه تريد رصد حكايات لتوصيلها للعالم، حيث تقول: إن الهدف من فيلمها لفت أنظار العالم للتعاطف مع الشعب الفلسطينى، أما هو فيقول لها: إنها تعيش فى أمريكا، حيث لا يوجد احتلال، بينما قضى هو خمس عشرة سنة فى السجن.
قدم المخرج فى أولى تجاربه للسينما الروائية الطويلة والذى كتب السيناريو ايضا، صورة سينمائية مدهشة، عبر سرد يخلو من الشعارات، فقط قدم انفعالات بطله وألمه، وكيف أنه يشكو من صداع مزمن واحتباس بولى وهلع من الضوء وأى سوائل تذكره بمشهد الدماء عند اغتيال صديق طفولته بمنتهى العبث على يد مستوطن، حيث ظل وجه صديقه الشهيد عالقًا فى رأسه، كما انه خرج للنور بعد أن اعتاد ظلمات السجون فأصبحت لديه هلاوسه التى تعيش معه وتعوقه عن ممارسة ومعايشة التفاصيل الحياتية اليومية بشكل طبيعى، وجاءت آلامه كرمز لما شاهده وعاشه.
ويتذكر فى السجن عندما تستجوبه جندية إسرائيلية تهدّده بإحضار أمه والاعتداء عليها، تخبره أن الرجل الذى أصابوه ولم يقتلوه لم يكن إسرائيليا بل هو عربى.. وبدون شك كان أداء بطلنا «زياد بكرى» رائعا وهو يواجه هذا الصراع بتجسيده شخصية تجسد كل المشاكل والمعاناة التى واجهها الأسير الفلسطينى بعد تحريره، واستطاع المخرج أيضا تجسيد تلك المعاناة للعالم الخارجى ولنا نحن بتلك الشخصية الواحدة التى تتمرد على الطبيب النفسى الذى يعالجه ويرفض فكرة أنه مضطرب نفسيا.
الفيلم الذى يعد أول عمل يتناول حياة معتقل بعد خروجه من سجون الاحتلال يعد انحيازا للوطن ببساطته فى حكى القصة، لكن العمق يبرز بين المشاهد، فالمسألة لم تكن مجرد ظلم وإلقاء للشباب الفلسطينى جزافا، ولكن ما مدى تأثير ذلك فيما بعد على هؤلاء الشباب.
وفى أحد مشاهد الفيلم القدرية لبطلنا تقوده المصادفة للركوب مع مستوطن إسرائيلى يكره العرب جميعا، بل ويريد إبادتهم، بالفعل كأن المستوطن يعتقد أن زياد إسرائيلى، وهنا يتولد لدى زياد احساس بالانتقام لسنوات عمره الضائع ولصديق طفولته الذى استشهد غدرا، ليعبر المخرج بذكاء أن القضية مستمرة بروحها، لذلك ترك نهاية الفيلم مفتوحة؛ ليترك للمشاهد الاحساس بمواصلة الحكاية، ولا نعرف ما إذا كان المستوطن سيقتل زياد المحرر الذى مازال يعيش حالة الأسر التى دمرته نفسيا ام سيقتل زياد الرجل.. فكل السيناريوهات مفتوحة.
لكن الفيلم اشار أيضا بواقعيته إلى أن من يعيش فى فلسطين كأنه يعيش فى سجن كبير حتى وإن عاش خارج سجون الاحتلال.
مخرج الفيلم لديه وعى كبير بالقضية، ولديه رؤية ناضجة، أراد ان يعود للوطن بعد دراسته للسينما فى كولومبيا ليقدم أفلاما تحاكى الواقع ولا تغترب عنه ــ بحسب قوله، وقد أقبل على انتاج «مفك» هو وزوجته الممثلة والمنتجة ياسمين قدومى، ورفض ان يصور فيلمه داخل السجون، وقال إنه واجه صعوبة كبيرة فى التصوير فى الأراضى المحتلة فى ظل الظروف المعقدة.
نقلاً عن صحيفة الشروق المصرية