سوليوود «خاص»
“الفقراء ليسوا مجرمين، الفقراء لا يحملون السلاح ويتقاتلون مع بعضهم بعضا.. الفقراء يعملون ويكدون”. هكذا كانت إحدى التعليقات التي صرح بها أحمد فوزي صالح مخرج فيلم “ورد مسموم” حينما سُئِل عن المكان الذي صُوِر فيه الفيلم، منطقة المدابغ بالقاهرة هي إحدى صور القاهرة المستترة بعيداً عن الأضواء، حيث الفقر المدقع والمباني المتهالكة والخدمات الغير متوفرة، ومع ذلك يحيا الناس ويكدون ويجتهدون في مهنة دباغة جلود الحيوانات وبعض المهن الأخرى كل هذا ضمن ظروف عمل أقل ما يقال عنها أنها قاسية.
يعمد مخرج العمل من خلال فيلمه إلى تصوير حياة الناس ومعاناتهم، عبر سرد درامي لحياة إحدى الأسر، حيث تحية تعيش مع أمها وأخيها صقر، حياة يعز فيها اللقاء بين أفراد الأسرة نتيجة العمل، فتحية عاملة نظافة وتمثل بعملها سندان الأسرة ومصدرها المالي الأساسي، فيما يعمل صقر كعامل موسمي في إحدى المدابغ، ذلك العمل المتذبذب الذي لا يمكن الاعتماد عليه.
تحية صاحبة نظرة شرقية إلى الأمور، فأخيها في نظرها هو الرجل والسند الذي تتكأ عليه وتحفه باهتمامها، هو الشغل الشاغل الذي تدور حوله حياتها، في ظل أجواء اجتماعية محدودة الأبعاد والفرص والتفكير.
نتيجة لضيق الحال وصعوبة العمل وعدم جدوى المقابل المادي الذي يتقاضاه صقر، يتجه تفكيره وتسانده أمه نحو الهجرة إلى أوروبا عبر إحدى مراكب الصيد، تكتشف تحية الأمر، وبكل ما أوتيت من حب وقوة تحاول منعه، فيما تستمر أحداث الفيلم في إطار هذه القصة دون مفارقات حادة أو مفاجآت مؤثرة.
الفيلم ينحاز إلى الفقراء بشكل تام، فعلى عكس كثير من الأفلام المصرية التي تعرف الفقر عن أنه قرين الجريمة والسرقة، يعيد فوزي صالح تعريفه مجدداً في إطار إنساني واقعي، حيث الفقراء ودودون جداً يبذلون حياتهم وكامل يومهم في العمل تحت ظروف قاسية من أجل تحصيل رزقهم بشرف.
تبحث تحية في إحدى المشاهد عن أخيها صقر الذي انتقل لتوه إلى عمل جديد دون علمها، وفي خضم ذهابها إلى محل عمله الجديد لملاقاته تتوه في إحدى الأزقة الهادئة الخربة، تستمر في المسير مارة من أمام بعض الرجال، الذي يتطوعون لإخبارها بأنها أخطأت الطريق وأن هذا الزقاق “سد”، ثم يتطوع آخر لإرشادها عن كيفية الوصول إلى المكان المقصود، يحمل هذا المشهد دلالة إنسانية على أن الفقراء ليسوا قطاعاً للطرق أو مهددين لأمن وسلامة النساء، عكس ما يحمله الانطباع السينمائي السائد.
الفيلم ربما صادم من ناحية الصورة والأبعاد الإنسانية القاسية التي يصورها، لكن ما هي وظيفة السينما إن لم تطلعنا على الحقائق وتضعنا جواراً في قلب معاناة الآخر كما سروره وفرحه؟!
أجاد المخرج في توظيف الصورة والتي جاءت في بعضها قاتمة معبرة عن أوحال من القذارة والبرك والمعاناة، ثم خروجاً في بعض الأحيان إلى صور جمالية رحبة مثل النيل وجلوس الأبطال على ضفته أو استقلالهم لإحدى القوارب، وفي هذا الأمر تأكيداً إضافياً على المعنى والرسالة التي يود الفيلم إيصالها.
تم تصوير مشاهد الفيلم في منطقة المدابغ دون اللجوء إلى استديوهات خاصة، مما أعطى الفيلم مساحة لتوثيق معاناة سكان هذا المكان والاقتراب من مشاكلهم، الفيلم على طول مشاهده يحمل بين جوانحه رسالته الداعمة للفقراء والمتعاطفة معهم وهو شيء جيد في العموم، لكنه بشكل أو بآخر أثر على الحياد والواقعية، فكل مكان فيه الجيد كما فيه الرديء.
تعرض الفيلم لانتقادات حادة من قبل البعض على اعتبار أنه يختزل الفقراء أو مصر في شكل سوداوي مقزز، في حين توجه البعض الآخر لانتقاده من جهة طبيعة العلاقة بين تحية وصقر.
حظي الفيلم على عديد من الجوائز العالمية، في حين اختارته مؤخرا جمعية النقاد المصريين ليكون سفيرا للسينما المصرية في أوسكار أفضل فيلم أجنبي 2020.