زياد عساف
كَبُرَ الأطفال ولم تبرح مخيلتهم صورة «البقرة الضاحكة» مذ شاهدوها على الشاشة الصغيرة كدعاية لمنتج استهلاكي، بفضل ما تفتق عنه خيال مبدعي هذا النوع من الاعلانات، أما «البقرة المحظوظة» فهي قصة واقعية تنطبق عليها مقولة (الواقع اغرب من الخيال) للكاتب العالمي ماركيز، وتفاصيل هذه الحكاية رواها أحد الممثلين العرب لناقد سينمائي عندما تطلب وجود بقرة في العديد من المشاهد ضمن عمل درامي شارك به شخصيا، وبفترة الإستراحة وكما يروي تم وضع البقرة المرفهة تحت مظلة لتقيها من حرارة الشمس تنفيذا لتعليمات المخرج، في الوقت نفسه كان بعض الممُثلين يقفون تحت لهيب الشمس ينتظر كل منهم أداء الدور المنوط به، وبحس الفكاهة الذي لا يخلو من الغيظ تندر بعض الممثلين على أجورهم التي هي أقل بكثير من أجور بعض الحيوانات المشاركة بالأعمال الفنية والتي تعود لجيوب مربيها بالتأكيد.
هذه الحكاية لا تعني أن السينما العربية قد وظفت الحيوانات بالصورة المرجوة التي تثري فكر ووجدان المشاهد، بل على العكس لم تصل لأدنى مستوى مما ورد في حكايات (كليلة ودمنة) لابن المقفع والتي أصبحت من صميم التراث العربي، إذ جاءت هذه الحكايات على ألسنة الحيوانات، وتطرح من خلالها القيم الاجتماعية والانسانية وإشكاليات الواقع السياسي الذي يكرر نفسه منذ مئات السنين، فأغلب الأفلام بهذا الخصوص فارغة من أي مضمون باستثناء أعمال قليلة، وجاء اعتماد معظمها على التسلية والإثارة، وورود أسماء الحيوانات ضمن عناوين الأفلام العربية هدفه جلب المشاهد لصالات العرض ومنها على سبيل المثال: النمر 1952، إسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات 1957، عاشور قلب الأسد 1961، الثعلب والحرباء 1970، عضة كلب 1983، والنمر والأنثى 1987 مثل الفيلم الشهير King Kong بنسخه المتعددة.
ولا مفر من الإقرار بأن السينما العالمية ظلت الأكثر استقطابا للجمهور العربي بمثل هذه النوعية من الأفلام، وحققت إيرادات خيالية تعتبر أضعاف تكلفة انتاج الفيلم الواحد، لما تتمتع به من تقنية عالية، وتوظيف الخيال العلمي، وجمالية الصورة التي هي لغة العصر الحالي .
ألو أنا القطة ..
القطط كانت الأكثر حضورا في السينما العربية، ولعل اشهرهم القطط (سمسم) الذي يرتبط بصداقة مع عبد الحليم ويقيم معه بالغرفة التي يسكنها ضمن السياق الدرامي لأحداث فيلم (معبودة الجماهير) 1967، وتجمعهما ألفة من نوع خاص لدرجة أن حليم بأحد المشاهد يحدثه عن حبه لشادية وخوفه من أن يبوح لها بمشاعره .
أما أن تكون القطة هي بطلة العمل فهذا ما جاء بفيلم «ألو انا القطة» 1975، عندما تتحول القطة (مشمش) أو بوسي لإنسانة لتساعد نور الشريف بتسديد ديونه واستعادة الثروة التي سلبه اياها عمه .
برز حضور القطط في عناوين بعض الأفلام رغم عدم ظهورها بالعمل نفسه غالبا، كدلالة أو إسقاط للتعبير عن العديد من القضايا، ومن بين هذه الأفلام : قطة على نار 1977، القطط السمان 1978، القط اصله اسد 1985 واسد وأربعة قطط 2007 .
كلبي دليلي..
ثيمة مكررة وتقليدية قدمتها السينما العربية عموما باعتبار أن الكلب أوفى من الإنسان، وعادت لتقدمها المخرجة هالة خليل بفيلم (نوارة) إنتاج عام 2015، ويبقى (روي) بفيلم الشموع السوداء 1962 هو الكلب الأشهر في تاريخ السينما المصرية لدرجة إحساس المشاهد بأنه من أبطال العمل، وكأنه العيون لصالح سليم الذي أدى دور كفيف بالفيلم .
«حياة الكلب أصبحت افضل من حياة الانسان» فكرة تكررت بالأفلام العربية أيضا، وورد ذلك بأعمال كثيرة ومنها فيلم غزل البنات 1949، وفي المشهد الذي يجمع بين أستاذ حمام (نجيب الريحاني) المدرس البسيط، ومدرب الكلب في قصر الباشا الذي يتقاضى معاشا خياليا، أضعاف ما يتقاضاه الاستاذ حمام، وبفكرة مشابهة قدم المخرج صلاح ابوسيف فيلم : السيد كاف 1994 .
وما يعلق في الذاكرة ايضا حضور الكلب بأفلام رومانسية، يكون فيها هو الجامع بين حبيبين، كفيلم (أماني العمر) 1955 عندما يجمع الكلب (لاكي) بين قلبي سعد عبد الوهاب وماجدة، وبنفس السياق أيضا تم تقديم فيلم (كلبي دليلي) 2013.
تميُّز ..
تميزت السينما المصرية عن غيرها بتوظيف الحيوان كدلالة للتعبير عن التباين بين طبقات المجتمع على الصعيد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وعلى سبيل المثال يتم التعبير عن حياة البؤس والشقاء في الأرياف من خلال الأبقار ومشهدها المألوف وهي تدور مكانها حول الساقية كناية عن عدم تطور حال الانسان الغلبان وثباته مكانه، وعلى العكس حين تصور الأبقار ضمن مزارع فارهة لتدل من خلال ذلك على ثراء أصحابها من الفاسدين والمتنفذين.
ومن أروع المشاهد السينمائية التي تم التعبير بها عن شدة الفقر من خلال توظيف البقرة في سيناريو الفيلم، يعلق في ذاكرة عشاق السينما العربية ذاك المشهد من فيلم (شباب امرأة) 1956، عندما باعت الأم فردوس محمد بقرتها الوحيدة لتأمين مصاريف تعليم ابنها بالفيلم شكري سرحان قبل توجهه للدراسة في القاهرة، وراحت تتلمس البقرة بحنان وهي تودعها بعد أن قبضت الثمن، واضطرها لذلك الفقر الشديد الذي يعانيه سكان الارياف .
شنكل ..
وهذا ما ينطبق على الخيول وضمن العديد من المشاهد وهي تجر حنطور يعتاش من خلاله إنسان غلبان يظهر بملابس رثة وبالية، اما المرفهون والميسورون فالخيول بالنسبة لهم تعني الرهان عليها في السبق، وصورت العديد من الأعمال في ميادين سباق الخيول كتعبيرعن نمط حياة هذه النوعية من الناس،و منها : مليون جنيه 1953، موعد غرام 1956 وماليش غيرك 1959 .
أما الحصان الأشهر في السينما المصرية ودون جدال فهو (شنكل)، والذي يعتبر أحد أبطال فيلم (مولد يا دنيا) 1975 لدرجة ظهور اسمه بمقدمة الفيلم مع أبطال العمل المطربة عفاف راضي ومحمود ياسين، ومن خلاله تم إبراز حالة التباين في القيم والمفاهيم بين فترتين زمنتين، ويتمثل ذلك بأغنية (يا صبر طيب) لعبد المنعم مدبولي صاحب (شنكل) الذي يجر من خلاله الحنطورمصدر رزقه، ويبث مدبولي في الأغنية شكواه من تغير الحال مع ظهور (التاكسي) واستغناء الناس عن ركوب الحناطير كوسيلة مواصلات، سبق وقدمت السينما المصرية هذه الرؤية بفيلم (تكسي حنطور) 1945 للمخرج أحمد بدر خان .
درب المهابيل ..
الحمار كان أكثر تعبيرا عن حالة الضنك والفقر بمجموعة من الأعمال السينمائية، وخير مثال على ذلك فيلم (الفتوة) 1957، وتحديدا في مشهد ل (هريدي) فريد شوقي القادم من الصعيد بحثا عن عمل في سوق الخضار، فيتم استخدامه لجر عربة الخضار بديلا عن الحمار المريض!.
حضر الحمار أيضا في العديد من المواقف التي يغلب عليها الطابع الفكاهي، وضمن سيناريو مجموعة افلام ومن بينها : صراع في النيل 1959،خرج ولم يعد 1984 وحنفي الأبهة 1990.
وضمن الافلام الكوميدية أيضا ساهم القرد بإضحاك المشاهدين بمجموعة اعمال منها فيلم : اسماعيل ياسين طرزان 1958 والقرداتي 1987، ولا تخلو المشاهد السينمائية في القرى والأحياء الشعبية من المواشي، ولابد من التوقف عند المشهد الاخير من فيلم (درب المهابيل) للمخرج توفيق صالح 1955، عندما أكلت الأغنام الأوراق النقدية المخبأة في بطن ماعز بعد أن تنافس أهل الحي بالاستيلاء على هذا المبلغ، الذي يعود لمجذوب الحارة قفة (عبد الغني قمر)، و حصل عليها بدوره نتيجة ربحه لورقة يانصيب بالصدفة .
أربعة في مهمة رسمية ..
بفيلم (أربعة في مهمة رسمية) 1987 يقوم أنور عبد المولى (أحمد زكي) بمهة توصيل الحيوانات الثلاثة التي سبق ذكرها (الحمار والقرد والعنزة) باعتبارها عهدة، وعليه أن يسلمها بدوره لبيت مال القاهرة، وتحدث خلال هذه الرحلة العديد من الأحداث والمفارقات .
الغوريلا شاركت بالعديد من الأعمال وضمن القالب الكوميدي أيضا ومنها : بيت الاشباح 1951، شنبو في المصيدة 1967، والبحث عن المتاعب 1975، وفيما يتعلق بالأسد والفيل كان أغلب حضورهما بالأفلام التي تصور في أجواء السيرك ومنها (فتاة السيرك) 1951، (غرام في السيرك) 1960 و(السيرك) 1968.
دايما معاك ..
وبالرغم من تفوق السينما العالمية بهذه النوعية من الأفلام وللأسباب التي سبق ذكرها، تحتفظ السينما المصرية بخصوصية تميزها عن السينما الاجنبية وتحديدا فيما يتعلق بالأغنية السينمائية ضمن هذه الأعمال، ومنها توظيف صوت حوافر الخيل وبشكل جميل وأخاذ ضمن اللحن الموسيقي بمجموعة من الأغاني الإستعراضية السينمائية، ولمس جمهور السينما ذلك بالعديد من هذه الألحان والأغاني ومنها :طير بينا ياقلبي غناها محمد فوزي لفاتن حمامة بفيلم: دايما معاك 1954 وهما يستقلان الحنطور مع ممثلين آخرين، وعلى وقع نغمات حوافر الخيل وعلى نفس الشاكلة غنى فريد الأطرش لمريم فخر الدين :أنا وإنت لوحدنا بفيلم :عهد الهوى 1955، وفي مشهد (الحناطير) وبمصاحبة فرقة رضا غنى محمد العزبي: الأقصر بلدنا بفيلم :غرام في الكرنك 1967.
شي يا حماري ..
لم تقتصر الأغاني المصرية على التغني بالحبيب أو الحبيبة، إذ غنى العديد من المطربين والمطربات للحيوانات، وهذه خصوصية أخرى تفوقت بها السينما المصرية على السينما الأميركية والاوروبية، والأمثلة كثيرة في هذا السياق ومنها عندما دافعت أم كلثوم عن حق الغنم التي تعرضت للإهانة ضمن تسلسل الاحداث بفيلم (سلّامة) 1945، موقعة هذا الشرط الجزائي الغنائي على استفان روستي المتسبب بالإساءة : يبوس القدم ويبدي الندم .. على غلطته بحق الغنم، وبفيلم ورد الغرام انتاج 1951 غنى محمد فوزي للحصان : ليِّا عشم وياك يا جميل، ومن فيلم اّمال 1952 غنت شادية للحمار (مبروك) مشفقة عليه: شي يا حماري .. حا يا حماري .. قلبي عليك من طول مشواري، وعودة لفيلم : مولد يا دنيا عندما غنت عفاف راضي للحصان (شنكل) : الحلو والنبي.. تبسم للنبي، والطريف في هذه الأغنية وكما جاء في لقاء إذاعي وعلى لسان ملحنها محمد الموجي، بأن مخرج الفيلم حسين كمال عندما قدم له الأغنية أوهمه بأنها على لسان فتاة تغني لحبيبها لأنه من الطبيعي لو علم الموجي أن المقصود بهذا الغزل من ذوات الأربع، فلن تظهر معه بهذا الشكل الجميل، وسيبقى الحصان ماثلا أمامه أثناء إعداده للحن .
خليكو شاهدين يا بهايم ..
وبفيلم : عنتر ولبلب 1951، سبق الفنان شكوكو زمنه وكأنه يصور واقع الحال الاّن عندما غنى لمجموعة من الحيوانات داخل زريبة :
خليكوا شاهدين يا بهايم على غدر البني اّدمين
إخلاصكم إخلاص دايم إنما دوكهم خاينين
عيَّط يا حصان على خيبتي ارفس واحتج معايا
حيطيَّروا مني حبيبتي إنت ماعندكش ولايا
ويا بقرة يا شايفة مصيبتي ارقعي بالصوت ويايا
يكفيكي شر السكاكين والمدبح قولي اّمين .
المصدر: الرأي