فهد الخيطان
لم تكد الضجة حول مسلسل “جن” أن تهدأ، لندخل في دوامة من الجدل حول فيلم “جابر”. عنوان الأزمة الأولى كان أخلاقيا بامتياز، أما الثانية فعنوانها تزييف الرواية التاريخية حسب ادعاء ممثلين انسحبوا من الفيلم، ذكروا أن قصة الفيلم تصور مناطق جنوب الأردن كجزء من التاريخ العبراني. مخرج ومنتج الفيلم نفى تلك الادعاءات، لكن لم يتسن لجهة مستقلة ومتخصصة الاطلاع على سيناريو الفيلم وإبداء وجهة نظر موضوعية وعلمية.
لا نريد لصناعة الأفلام في الأردن أن تتراجع ونخسر ما تحقق من مكاسب وضعت مناطق أردنية كالبترا ووادي رم وغيرهما على خريطة السياحة العالمية، وجعلت من الأردن مقصدا لكبريات شركات الانتاج السينمائي، بما يعني ذلك من فوائد اقتصادية ومعرفية.
لكن عندما يتعلق الأمر بالأردن وتاريخه، يتعين على المعنيين في صناعة السينما أن يتوخوا الحذر في ترخيص الأعمال، خاصة المواضيع المتعلقة بالتاريخ القديم للحضارات، لأن المحافل الإسرائيلية وعلى مر عقود الصراع العربي الإسرائيلي، تحاول جاهدة بناء سردية تاريخية للوجود اليهوي في فلسطين والأردن، وأخطر من ذلك السطو على ما استقر من حقائق، وتزييفها لحساب الرواية الصهيونية. مناطق عديدة في الأردن وفي القلب منها البترا مستهدفة في مخططات تزييف الوعي والتاريخ، ولطالما حاولت إسرائيل على المستوى السياحي تسويق البترا كجزء من أرضها المزعومة، وتنظيم زيارات للوفود السياحية للمنطقة في إطار برنامج يربط المدينة الوردية بمفهوم الصهيونية للأراضي المقدسة.
استثمار البيئة الأردنية في صناعة السينما العالمية ليس محل اعتراض بل ترحيب، ولا نريد من الهيئات الرسمية فرض رقابة على مثل هذا النوع من الأعمال التي توظف سحر البترا ووادي رم بأفلام الخيال العلمي والفانتازيا وسواها من الأعمال العالمية، لكن عندما يتعلق العمل بتاريخ بلادنا ومنطقتنا فمن حقنا أن نطلع على مضمون الأفلام حتى لا نسمح بتسخير الجغرافيا الأردنية والتاريخ في عملية تزييف الوعي التاريخي وسردياته.
وربما تقتضي الحاجة هنا تعديل قانون الهيئة الملكية للأفلام باعتبارها الجهة المعنية بمنح التصاريح، ليكون لها الحق في الاطلاع على قصص الأفلام المعنية حصرا بالتاريخ الخاص ببلادنا، وإعطاء الموافقة على النصوص، ويمكن أن ينشأ تعاون بين الهيئة وأصحاب الاختصاص من أكاديميين ومؤرخين في الجامعات الأردنية.
لقد ساهمت سياسة تشجيع تصوير الأعمال الدرامية والسينمائية في الأردن بتوفير فرص للفنانين الأردنيين باختراق جدار العالمية، ويتعين علينا استمرار رعاية هذه الصناعة، وعدم السماح بتخريبها بحجج وذرائع شعبوية، لكن في ذات الوقت يجب ألا نسمح لأطراف مشبوهة باستغلال هذا الوضع لأغراض الدعاية الصهيونية.
أما بشأن فيلم “جابر” فينبغي إخراجه من دائرة الجدل الشعبوي والطلب من هيئة مختصة من جهات صاحبة خبرة بمعاينة رواية الفيلم والتأكد من دقة الوقائع التاريخية وفحص الاتهامات الواردة على لسان عدد من الممثلين، لقطع الشك باليقين.
المصدر: صحيفة الغد الأردنية