مي عبد الله
خلال مسيرته الفنية اللامعة استطاع الفنان عبد الفتاح القصري أن يجمع بين أكثر من نقيض، فهو ابن الذوات الأرستقراطي الذى أتقن أدوار أولاد البلد أصحاب الطبقة الشعبية، فهو من أشهر كوميدينات السينما العربية، ومن أشهر أصحاب القصص الحياتية المأساوية أيضًا، أتقن اللغة الفرنسية وبرع في تأليف أشهر إفيهات الكوميديا في تاريخ السينما.
ولد عبد الفتاح القصري في حارة اليهود بمنطقة الحسين بالقاهرة، لأب ثري يعمل في صناعة الذهب، وهذا ينفي شائعة انحدار القصري لأسرة فقيرة ماديًا، ومن الشائعات التي انتشرت عنه أيضًا أنه كان يجهل القراءة والكتابة، ولكن الحقيقة أنه التحق بمدرسة رهبان “الفرير”، وأتقن اللغة الفرنسية.
ولع القصري بالفن وهو ما رفضه والده الذي كان يرغب أن يدير ابنه أعماله، ولكن القصري أصر على دخوله عالم الفن والتمثيل، وقابل والده هذا الإصرار بقرار حرمانه من الميراث، فلم يكترث القصري بهذا القرار والتحق بفرقة عبد الرحمن رشدي.
بداية انطلاقته الفنية كانت عند التحاقه بفرقة نجيب الريحاني، ومن ثم التحاقه بفرقة إسماعيل ياسين، التي فتحت له أبواب الشهرة والانتشار في السينما، فسجل رقمًا قياسيًا فى عدد الأفلام التى مثلها فى عامين متتالين حيث وصل الرقم لـ 19 فيلمًا، ويقدم خلال حياته ما يزيد على 60 فيلمًا سينمائيًا.
رسخ القصري مدرسة كوميدية خاصة به، اعتمد فيها على العفوية والسلاسة في الأداء، ورغم نشأته الأرستقراطية إلا أنه أفضل من برع في أداء شخصية ابن البلد بشتى تفاصيلها، لدرجة أنه تقمص هذه الشخصية في حياته الشخصية فخلع البذلة، وارتدى الجلباب وفضل قعدة المقاهي الشعبية.
ويعد عبد الفتاح القصري صاحب أهم إفيهات السينما المصرية التي مازالت مستخدمة حتى وقتنا هذا، فهو من قال “نورماندي تو، ودي مش ست دي ست أشهر، وأنا كلمتي لا ممكن تنزل الأرض أبدا، ويا صفايح الزبدة السايحة”.
وبعد فترة ممتلئة بالنجاحات الفنية، مر الكوميديان الكبير بفترة شديدة التراجيدية، وكانت البداية خلال وقوفه على مسرح إسماعيل ياسين يؤدي دورا كوميديا كالعادة، فإذا به يفاجئ الجمهور بجملة “أنا اتعميت مش شايف” فظن الجمهور أنها جملة كوميدية خارجة عن النص وضجت الصالة بالضحك، ولم يشعر به أحد سوى زميله إسماعيل ياسين الذى كان يعلم أن هذه الجملة ليست في المسرحية فأخذه إلى الكواليس، ليتأكد الجميع أن القصري قد فقد نظره بالفعل لارتفاع السكر في الدم.
وبعد رحلة علاج طويلة عاد نظره جزئيًا، ولكنه أصيب باكتئاب حاد بعد طلب زوجته الرابعة الطلاق لتتزوج من شاب لم يتجاوز الـ20 عامًا، والصدمة أن هذا الشاب كان يعتبره القصري مثل ابنه ويعطف عليه ويشمله برعايته، واستولت زوجته على جميع ممتلكاته وتركته وحيدًا مريضًا.
وحتى تكتمل مأساوية القصة، قررت المحافظة هدم المنزل الذى كان يعيش فيه، ليضطر للانتقال إلى غرفة بسيطة جدا بـ”البدرون”، وتفاقم مرضه حيث أصيب بتصلب في شرايين المخ وفقدان الذاكرة، نقل على أثرها إلى مستشفى المبرة، وتوفي بها، وبعد حياة فنية رغدة لم يمش في جنازته سوى 4 أشخاص منهم شقيقته والفنانة نجوى سالم.
المصدر: صحيفة الأهرام