سوليوود (كان)
يختتم اليوم مهرجان كان السينمائى الدولى فاعليات دورته الـ ٧١، لكن بريق الأفلام وعطرها لن ينتهى، بل سيستمر طويلا بعدما تسلل داخل وجداننا محركا مشاعر وأحاسيس باتت تشيب بفعل حياة صعبة نعيشها، وتوغلت أفكارها لتوقظ من جديد عقولنا التى توقفت عقاربها عن الدوران.
انتصرت أفلام المهرجان لقضايا الشعوب ومنحتها الأمل فى أن تعيد ترتيب أوراقها من جديد، فكما كانت البداية مع فيلم «الكل يعرف» للمخرج الايرانى اصغر فرهادى، وبطولة بينلوبى كروز وخافير بارديم، والذى قدم قصة عائلة عرفت طعم السعادة بعدما ذاقت مرارة الحسرة والندم، من خلال رحلة لورا «بينولوبى كروز»، التى تسافر مع عائلتها من بوينس ايرس بالأرجنتين إلى قريتها الريفية الأم فى إسبانيا من أجل لمِّ الشمل، لكن يعوق ذلك كثير من الأشياء بسبب الأحداث التى تغير مسار حياة الشخصيات، فى نفس المسار الإنسانى.
ويأتى بلون فنى آخر فيلم الختام «الرجل الذى قتل دون كيشوت» للمخرج البريطانى تيرى جيليام، وبطولة آدم درايفر وجوناثان برايس، وسيتم عرض الفيلم فى فرنسا فى نفس اليوم، وهو ينتمى لأفلام كوميديا المغامرات التاريخية، وجاءت الموافقة على عرضه بعد عدة عقبات بسبب أحد المنتجين الذى حاول تأجيل العرض لعدم موافقته على ذلك، لكن المحاولة فشلت بعدما رفضت المحكمة الفرنسية طلب المنتج بحظر عرض الفيلم خلال الليلة الختامية لمهرجان كان، مؤكدة أنه ليس لديه الحق فى منع الفيلم وهو القرار الذى أثلج صدور إدارة المهرجان، والتى أكدت أن المهرجان الذى أعرب مرارا وتكرارا عن ولائه ودعمه للمبدعين، يعبر عن ارتياحه، ويرى أن العدالة ستسمح بعرض هذا العمل، الذى يستحق مخرجه بأن يشاهد فيلمه مع جمهور المهرجان، وهو ما اعتبرته إدارة «كان» انتصارا يستحق الاحتفال، خاصة وأن الفيلم تم تنفيذه فى ١٧ عاما وهى سنوات صعبة وقد تكون الأطول فى صناعة الأفلام، مرّ فيها الإنتاج بكوارث عدة، بدءا من إصابة الممثلين الرئيسيين منهم جان روشفور، وصولا إلى غرق معدات التصوير بسبب الفيضانات.
وكان المخرج قد بدأ تصوير فيلمه المأخوذ عن رواية ميجيل دى سرفانتس فى إسبانيا عام 2000، وقضى عامين لتمويل العمل.
انحاز المهرجان من خلال مسابقاته بأقسامه المتعددة لمجموعة من الأفلام التى تطرح سينما حداثية، والتى تجاوزت ما بعد الحداثة فى رؤاها الفنية مثلما شاهدنا فى فيلم المخرج الأمريكى سباسك لى «بلاك كلانسمان»، وهو من أفلام الجريمة والدراما ويروى القصة الحقيقية لأحد مخبرى الشرطة من أصول إفريقية فى كولورادو سبرينغز، الذى يتسلل إلى التنظيم المحلى من جماعة كو كلوكس كلان، والفيلم بطولة لأدام درايفر وتوفر جريس وجون واشنطن (نجل دينزل واشنطن).
كانت عودة المخرج الكبير لارس فون ترير لمهرجان كان المفاجأة، حيث عرض فيلمه «المنزل الذى بناه جاك» الذى ينتمى لرعب الاضطرابات النفسية، وكان المخرج الدنماركى قد واجه مشكلات كبيرة فى آخر ظهور له بمهرجان كان وأصبح «شخصا غير مرغوب فيه»، بعد إدلائه بتصريحات غير حكيمة حول أدولف هتلر والنازية، لكن الموقف تغير الآن وحصل المخرج على العفو، ليقدم واحدا من اجمل افلامه وأكثرهم تشويقا وإثارة والذى يلعب فيه الممثل مات ديلون دور قاتل شديد الذكاء يرتكب سلسلة جرائم ويرى ضحاياه على أنهم أعمال فنية، ويشاركه بطولة الفيلم أوما ثورمان، وبرونو غانز، وسفى غرابول.
وكذلك فيلم «صيف» للمخرج الروسى كيريل سيريبرنيكوف الممنوع من الحضور لكان، وهو يروى قصة انتشار موسيقى الروك بين شباب روسيا والاتحاد السوفيتى فى ثمانينيات القرن الماضى تحت حكم بريجنيف، وحمل الفيلم آمال جيل يبحث عن التغيير قبل بدء مرحلة البريسترويكا.
تبدأ الأحداث فى لينينجراد فى صيف العام 1980، حيث يتجمع بعض الأصدقاء فى غابة مشمسة ويتوسطهم مايك ناوكو بجيتاره ليغنى شوقا للحرية بعد تهريب سجلات الباريسترويكا، ولا يعلم هؤلاء الشباب بعد أنهم بفضل مجموعة «كينو» الموسيقية والمغنى الشاب فيكتور ستوى، باتوا على وشك تجسيد أحلامهم وتغيير مسار تاريخ موسيقى الروك اند رول فى الاتحاد السوفيتى.
والفيلم الفرنسى الجرىء «آسف انجيل» إخراج كريستوف اونوريه، تدور قصته حول جاك كاتب يعيش فى باريس يبلغ من العمر 39 عاما، لكنه لا يثق بالفعل فى أن أفضل ما فى الحياة لم يأت بعد، ويقع فى علاقة غرامية كبيرة مع ارثر وهو طالب يقرأ ويبتسم كثيرا ويرفض أن يعتقد أن كل شيء فى الحياة غير ممكن، ويعيشان فى حلم جميل بينما يكسوه حزن تقلبات المشاعر ونظرة من حولهما.
وفيلم المخرج الألمانى فيم فيندرز فيلم «البابا فرانسيس.. رجل يفى بوعده»، والفيلم رحلة شخصية لبابا الفاتيكان، يستكشف أفكار البابا ورسالته برؤية فلسفية وإنسانية أكثر منها رصدا وثائقيا لسيرة ذاتية.
أفسح مهرجان كان مجالا كبيرا بعرض الفيلم المصرى «يوم الدين» فى المسابقة الرسمية، وهو للمخرج الشاب أبوبكر شوقى الذى قدم أولى تجاربه فى السينما الروائية الطويلة، وكعادة المهرجان وحده دائما ما تكون شاشته بمثابة اكتشاف لمواهب إخراجية شابة، مثلما قدم من قبل الكندى الشاب كزافييه دولان، وأتوقع مستقبلh واعدا لابوبكر شوقى، الذى قدم نموذجا مشرفا لسينما مصرية قادرة على المنافسة فى المهرجانات الكبرى، واتمنى ان ينسحب هذا الحلم على مخرجينا الشباب، وألا يستسلموا لموجات الإحباط، والوقوف عند محطة عجز الإنتاج، فشوقى لم ييأس وبحث عن وسائل دعم كثيرة، طاف بفيلمه جهات عديدة، ووجد من يشجعه ويقف بجواره ويؤمن به وقد كسبوا الرهان.
كما شهد المهرجان حضورًا عربيًا مميزًا بأربعة أفلام، بجانب الفيلم المصرى، فعرض ايضا بالمسابقة الرسمية فيلم «كفر ناحوم» تأليف وإخراج اللبنانية نادين لبكى، ويحكى قصة صبى صغير يقرر أن يثور على الواقع الصعب الذى يعيشه فى لبنان، عبر رفع دعوى قضائية على والديه.
وضمن مسابقة «نظرة ما» التابعة للمهرجان يعرض فيلمين عربيين هما الفيلم المغربى «صوفيا» للمخرجة مريم بن مبارك، وفيلم «قماشتى المفضلة» للمخرجة السورية جايا جيجى.
بينما تجسدت الحداثة السينمائية فى فيلم المخرج الكبير جان لوك جودار «الصورة الكاملة» وهو الفيلم الذى فجر الكثير من التساؤلات حول موقفه من ثورات الربيع العربى.