تركي الشبانات
لا يخفى على أحدنا اليوم مدى كثرة وضراوة الصراع في مجالات صناعة التأثير في العالم أجمع، والأمم بل والحكومات تعي مدى أهمية صناعة التأثير لما لها من قوة يأتي على رأسها الاختراق الفكري لعقول بني البشر وتأثرهم بالطرح الثقافي والفكري لأولئك الراغبين في التأثير في مختلف أجناس الناس، لما يعلمون أن هذا النفاذ الروحي يؤتي ثماراً عظيمة أهمها صناعة الهيبة ونشر الأفكار التي يرون أنها يجب أن تسود العالم لتمرير السطوة الثقافية والفكرية.
وأدوات التأثير تختلف باختلاف الأزمان، فقديماً كان يكفي أن يكون التأثير بتحدث أحدهم على منصة أمام حشود يلهبهم ويحرك عواطفهم ليحقنهم بأفكاره التي يحب أن تنتشر، وكان البعض يقاد عبر تلك الميادين، واليوم أضحت وسائل التأثير متنوعة ومختلفة، ولا يخفى على أحدنا ما أحدثته مقاطع فيديو قصيرة متداولة صنعت رأياً ووجدت رواجاً في كثير من الأحيان على اختلافنا عن صحة الفكرة وعدمها رغم بعض الإمكانات البسطية.
ومما تعج به صفحات كثير من رواد العالم الافتراضي ومجالس كثير من الشباب الحديث عن الأفلام وعن شخصية ذاك الممثل وعن قصة ذاك الإنسان وعن سيناريو الأحداث المؤثرة والملهمة في نظرهم، وربما عاش أحدهم أوقاتاً كثيرة أسيراً لشخصية بطل الأحداث، إننا نغالط أنفسنا ونكذب الحقيقة الساطعة عن قوة النفاذ الروحي والفكري التي تتبناها مؤسسات صناعة الأفلام والتي تجد كامل الدعم من دولهم وحكوماتهم لمعرفتهم بهذه القيمة المهمة.
والكل يخوض غمار هذا الميدان وهذا المجال الفسيح ليقدّم ما يراه عن طريق تلك الأفلام، ربما هذا المتلقي البسيط يراها حبكة درامية وقصة تنتهي بانتهاء العرض، ولكن الحقيقة أن أثرها العميق يبقى حبيس العقل الباطن متأثراً به وببلد المنشأ ولغة الفيلم وربما تمادى الموضوع ليصل للهوس بأبطال القصة، ومن ثم التأثر بهم سلوكياً على مستوى المظهر والتصرف، حقائق قد ينفيها البعض هروباً من هذه الحقيقة وتسليةً لنفسه وخداعاً لها ويعود ويقول: إن هؤلاء في غفلة ولم يذوقوا حلاوة القراءة ولذة الاستماع للبرامج أو المحاضرات.
والحقيقة الأهم -التي تخصنا- أن كثيراً من أبناء هذا الوطن رغم قلة الدعم وعدم وجود الأدوات الكافية والأرض الملائمة لإطلاق عنانهم وشغفهم، أثّروا في المشاهد على كثير من الوسائل المتاحة برغم بساطتها، فكيف إذا أُعطوا مبتغاهم ومناهم عن طريق إتاحة مجال صناعة الأفلام، أعتقد أن التأثير سيكون مدوياً وشاسعاً وجديراً بالاحترام.
المصدر: جريدة الرياض