أمل مجدي
لماذا يصنع المخرجون أفلاما؟ سؤال من الصعب حصر الإجابة عليه في عدة نقاط محددة، لأن كل مخرج ينظر بطريقة مختلفة إلى السينما وماهيتها. عند الاخوين كيفين وتوبيا شموتسلر، الهدف من صناعة أفلام هو سرد قصص ملهمة تحرك مشاعر المشاهد، وتحدث تغييرا في المجتمع.
ففي شارة البداية لفيلمهما Robin، المشارك ضمن مسابقة أفلام الحريات في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، تكتب على الشاشة جملة تشير إلى أن هناك 10 سنتات تذهب لصالح الأطفال المحتاجين مقابل المشاهدة. الفيلم الذي تركز قصته على طفل مريض بالسرطان عاجز عن تحقيق أمنياته، خصصت عائدات مشاهدته عبر الإنترنت، في فترة محددة، لصالح الأطفال المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة. حيث كان الهدف من البداية تقديم قصة مؤثرة، تساعد من هم في حاجة إلى دعم.
تبدو القصة مكررة، شاهدناها في الكثير من الأفلام خلال السنوات الأخيرة. فقد تولد اهتماما شديدا لدى صناع السينما الأمريكية، على وجه الخصوص، بحكايات الأشخاص المعرضين للموت في أي لحظة، ويطمحون في تحقيق مجموعة من الأمنيات قبل فوات الأوان، وذلك بمساعدة أحبائهم. لا يختلف “روبن” في هذه النقطة، فوالد الطفل المريض يقرر أن يأخذ ابنه دون موافقة زوجته، ويسافر به من ألمانيا إلى جنوب أفريقيا ليحقق له أحلامه مهما كلفه الأمر، حتى نكتشف في النهاية أن الأب نفذ كل رغبات ابنه بعدما مات، ليعتذر له عن عدم تحليه بأمل شفائه. هذا فيلم عن ضرورة اكتشاف الحياة وخوض تجارب مثيرة مهما كانت الظروف والمتاعب التي نواجها، لأن هذا ما يمنحنا سببا حقيقيا لمواصلة العيش.
لكن هل الفكرة وحدها كافية لصناعة فيلم جيد؟ بالتأكيد لا، فمن الضروري أن يكون هناك اهتمام بالعناصر السينمائية التي تطرح من خلالها الفكرة، وهذا ما لم يحرص عليه مخرجا فيلم Robin. يعتمد الفيلم من البداية على التشويق حيث تحاول الشرطة مساعدة الأم في معرفة مكان اختفاء الطفل، في الوقت الذي يرفض فيه الأب الكشف عن تفاصيل رحلتهما. تحدث حالة من تلاحم بين الصوت والصورة، نابعة من أننا نتعرف على ما حدث من خلال أشعار حافلة بالرموز يقولها الأب في إحدى المسابقات، في حين تفسر الصورة هذه الكلمات. المشكلة في هذا النهج الذي كان جاذبا للانتباه في البداية، خلال واقعة السرقة على طريقة روبن هود، أنه مع تقدم الأحداث، بات الصوت يشرح الصورة تفصيليا، ويصف ما يحدث أمامنا، مثل الأغاني المصورة ذات الإيقاع السريع. كما أن الكلمات نفسها صارت تشبه عبارات التنمية البشرية، التي تحفزك على مواصلة الحياة وعدم اليأس.
صناع الأفلام المنتمية إلى نوعية التشويق والغموض، عليهم مراعاة التفاصيل الصغيرة بنفس القدر الذي يهتمون فيه بالأحداث الكثيرة، لكن الأخوين شموتسلر تجاهلا هذا الأمر قليلا. فمثلا في مشهد مطاردة رجال الشرطة للأب بعد الانتهاء من عرضه في المسابقة، يذهب إلى المرحاض ليعثر على ورقة الأمنيات التي كتبها نجله، لكنها تفلت من يده وتقع أسفل الحوض. وبعد مرور فترة، يعود مرة ثانية إلى المكان، فيجدها في مكانها دون أن تبلل من الماء أو يجدها عمال النظافة. تستمر عدم المنطقية مع ظهور الأب بمفرده في مطار جمهورية تشيك أثناء مراجعة الكاميرات. لكن يتم التركيز على الطفل الذي يقف بجانبه في محاولة لإيهامنا بأنه ابنه، بالرغم من أن الأب يسير بمفرده. لماذا لم تعيد قوات الشرطة مشاهدة الفيديو، ولماذا لم تراجع الكاميرات في مطاري ألمانيا وجنوب أفريقيا، للتأكد من أن الطفل سافر بالفعل بدلا من اللهث وراء الأشعار التي يقولها الأب. فالصورة الوحيدة المستخدمة دوما هي الصورة التي التُقطت للأب أثناء خروجه من المستشفى حاملا ابنه، التي بالمناسبة يستخدمها الضابط ليؤكد أنهما ظهرا في المطار التشيكي!
هذا إلى جانب تورط أحد ضباط الشرطة عاطفيا مع أشعار الأب، دون وجود مبرر قوي لتفهم موقفه. فمن البداية يبدو قابلا للقيادة من قبل الأب، يحركه ويوجهه كيفما يشاء، فينشغل بحل ألغاز الشعر بدلا من القيام بمهام عمله الأساسية. حتى يصل الأمر، أنه يخاطر بوظيفته ويتمرد على الأوامر، لمعرفة مكان الطفل.
تبقى المشكلة الأكبر في الفيلم، إذا تغاضينا عن كل هذه التفاصيل غير المنطقية، هي التحول غير المتوقع للنهاية، أو ما يعرف بالـTwist، حينما يكتشف الضابط أن الأب ضللهم، وأن الطفل مات قبل السفر. فقد جاء هذا التحول فاقدا لعنصر المفاجأة، وغير مؤثر شعوريا على الإطلاق.
يرجع السبب في ذلك إلى أن سيناريو الفيلم لم يعل توقعات المشاهد تجاه أن الطفل لا يزال على قيد الحياة، وأن هناك آملا في العثور عليه، حتى يكون صادما في النهاية. فمنذ لحظة القبض على الأب، نرى قائمة الأمنيات في حوزته. ومع مرور الأحداث، يتأكد من خلال المشاهد التي جمعتهما في جنوب أفريقيا، مدى حرص الطفل على أن تبقى معه باستمرار، ليعدل عليها، ويترك علامة صح على ما تم تحقيقه. وفيما يخص فكرة أن القصة مختلقة، لم يكن الأمر مثيرا للدهشة، لأن الأب بدى من البداية يمتلك كل مفاتيح الحكاية، ويسبق الجميع بخطوة. إلى جانب أن هناك رغبة في تجاهل أي شيء يشكك في حكايته، لذلك لم يكن غريبا أنه نجح في خداعهم.
ربما تعتبر تفاصيل علاقة الأب بابنه هي الأفضل في الفيلم، خاصة مع أداء تمثيلي مميز من جيف بوريل وأيدن فلورز. لكن الأمر لم يسر على هذا النحو مع الممثلة ليني سبيدل التي جسدت دور الأم. فقد كان أدائها مفتعل بدرجة كبيرة في النصف الأول من الفيلم، خاصة في المشاهد التي تظهر فيها غاضبة من زوجها، لا تفعل شيئا سوى الحديث سوى التبريق والتحدث بنبرة صوت حادة.
الأفلام تمدنا بصور وحكايات قادرة على مس القلوب وإثراء الوجدان وتحفيز العقول على التأمل والتفكير. هذا هو أثرها الأعظم في حياتنا، الذي ينعكس بالضرورة على المجتمع. ولكن تنجح في تحقيق ذلك، عليها أن تكون متقنة الصنع سينمائيا، لأن النوايا الحسنة وحدها غير كافية.
المصدر: في الفن