سوليوود «متابعات»
في واحد من إصداراتها الخاصة نشرت مجلة Time الأميركية، منذ أيام، قائمة جديدة من نوعها لأهم 100 فيلم في تاريخ السينما العالمية يجب أن يراها المشاهد.
في العادة، تجري هذه الاستطلاعات بين قطاع من السينمائيين والنقاد، وأحيانًا تقتصر على فئة من الإثنين، مثلما تفعل مجلة Sight and Sound البريطانية، التي تجري كل 10 سنوات استطلاعين مختلفين، أحدهما لبعض النقاد والثاني لبعض المخرجين فقط، وفي معظم الأحيان تجري بين قطاع كبير من الجمهور، وقليلًا ما تجري بين فريق تحرير إحدى المطبوعات.
ولكن استطلاع الـTime قام به فرد واحد، هو ناقدة المجلة ستيفاني زاكاريك، صاحبة الخبرة الطويلة، والتي تعمل في الكتابة عن الأفلام منذ أكثر من 40 عامًا.
استطلاع أم ترشيحات فردية؟
من المألوف أن ينشر أحد النقاد قائمته لأفضل الأفلام على صفحته أو في كتاب من تأليفه، ولكن أن تتبنى مجلة باسم وشهرة الـ«تايم» قائمة هذا الناقد، وتصدرها في عدد استثنائي خاص من المجلة، فهذه جرأة كبيرة، ومثار لجدل أدركته زاكاريك نفسها، التي كتبت مقدمة من صفحتين للعدد تحدثت فيها عن نسبية الأذواق والمعايير، وعن معاييرها الشخصية التي جعلت أفلامًا مثل «Citizen Kane»، و«Casablanca» تختفي من القائمة، بينما حلت فيها أعمالا أقل شهرة وإجماعًا من الناس.
تلخص زاكاريك معضلة اختيار الأفضل التي تواجه أي شخص يطرح عليه السؤال عن أفضل فيلم «أو أفلام» في الآتي: هل تختار وفقًا لذوقك الشخصي جدًا، الذي قد لا يتوافق مع الآخرين، أم تختار من بين الأعمال التي تعرف أن أغلب الناس يعتبرونها من الكلاسيكيات والروائع.
عشرة x عشرة
مبدئيًا تقسم ستيفاني زاكاريك تاريخ السينما إلى 10 عقود، من عشرينيات القرن الماضي إلى يومنا، وتختار 10 أفلام في كل عقد ليشكل مجموعها 100 فيلم. وهذا التقسيم نفسه مثير للجدل. فمن ناحية قد يشهد عقد ما «أو حتى عام واحد» عددًا من الأفلام العظيمة تفوق ما يشهده عقد آخر، وتحديد 10 أفلام من كل عقد قد يكون إجراء تعسفيًا يظلم أفلامًا أو يضع أفلامًا في مرتبة أعلى مما تستحق «مقارنة ببقية القائمة».
ومن ناحية ثانية تستبعد القائمة كل الأعمال التي صنعت قبل 1920، وبعضها من روائع السينما بالفعل مثل The Birth of a Nation وIntolerance لجريفيث، أو أعمال تشارلي شابلن.
هذه الملاحظات لا تقلل بالطبع من اختيارات ناقدة الـ”تايم” أو الجهد الهائل الذي بذلته في الاختيار والحيثيات، ويعلم كل من يحاول عمل قائمة من هذا النوع صعوبة الأمر، خاصة في مرحلة الاختصار والاستبعاد، وهو ما تشير إليه زاكاريك في مقدمتها، التي تأسف في نهايتها لاضطرارها إلى استبعاد كثير من الأفلام العظيمة «غالبًا بسبب النظام الذي اعتمدته».
مع ذلك يجب أن ندرك أن التقسيم العقدي لتاريخ السينما له جوانب إيجابية من ناحية ثانية، فهو يضمن أن نضع تاريخ السينما وتطورها في اعتبارنا، وألا نظلم الرواد الكبار من المبدعين الذين اخترعوا هذا الفن من العدم.
وعلى عكس الاستطلاعات التي تجري بين الأجيال الصغيرة التي لم تر من السينما سوى أفلام العقدين أو الثلاثة الماضيين، فإن استطلاع زاكاريك مفيد لهواة السينما الذين يريدون العودة إلى الوراء أكثر، ولكن يصعب عليهم الاختيار من بين عشرات آلاف الأفلام التي أنتجت على مدار القرن الماضي.
بين الشعبي والفني
لنتأمل مثلا اختيارات ستيفاني زاكاريك من العقد الأول:
أول فيلم يتصدر الاستطلاع هو The Cabinet of Dr. Caligari للمخرج الألماني روبرت فينه، وهو عمل كلاسيكي لا يمكن لأي أحد أن يتجاهله، فقد نقل السينما إلى مصاف الفن من خلال أول مذهب واسلوب فني سينمائي وهو «الانطباعية الألمانية»، بجانب كونه عملًا مؤثرًا نفسيًا وعقليًا وجماليًا حتى على جمهور اليوم.
بعد Caligari تختار زاكاريك فيلماً أقل شهرة هو Within Our Gates للمخرج والمنتج والمؤلف أوسكار ميشو، الذي يعد أول صانع أفلام أمريكي إفريقي، وقد صنع ما يزيد عن أربعين فيلماً كانت توجه وتعرض على جمهور السود غالباً، وبالطبع هذا الاختيار مدفوع بالرغبة في “تصحيح” التاريخ وإنصاف المهمشين والمستبعدين، وهو ما يذكرنا باستطلاع “سايت آند ساوند” الأخير، الذي أختير فيه فيلم يكاد يكون مجهولا للغالبية، وهو Jeanne Dielman, 23, quai du commerce, 1080 Bruxelles، للمخرجة شانتال أكرمان، كأفضل فيلم على مر التاريخ!
تختار زاكاريك أيضا فيلم The Kid أحد أشهر وأنجح أعمال تشابلن، كما تختار Orphans of the Storm، وهو أحد أعمال دبليو وارك جريفيث الأقل شهرة، ولكن لا يقل عنهما روعة حسب رأيها.
الفيلمان التاليان في القائمة، وهما Nanook of the North لرائد السينما الوثائقية روبرت فلاهرتي، وThe Thief of Bagdad لنجم العضلات (في زمنه) دوجلاس فيربانكس، يعكسان التنوع وسعة الأفق اللتين تتسم بهما الناقدة، إذ لا تخجل من اختيار أعمال “شعبية” بحتة مثل Gone with the Wind وJaws وStar Wars وNight of the Living Dead، بجانب أعمال فنية متميزة مثل The Godfather Part II لكوبولا، أو لمخرجين غير أمريكيين بحجم فلليني Nights of Cabiria وأنطونيوني Last Tango in Paris، وكوروساوا Seven Samurai، أو أعمال أقل شهرة مثل Pather Panchali للهندي ساتياجيت راي، وThe Circle للإيراني جعفر باناهي، وBlack Girl للسنغالي عثمان سمبين.
مدارس وأسماء غائبة
معظم الأفلام المختارة أميركية، بالطبع، والأعمال الأجنبية تعبر عادة عن مدرسة أو مذهب فني مميز مثل التعبيرية الألمانية في حالة The Cabinet of Dr. Caligari، أو الواقعية الشعرية الفرنسية من خلال فيلم The Rules of the Game لرينيه كلير (1939)، أو الواقعية الإيطالية الجديدة متمثلة في Bicycle Thieves لفيتوريو دي سيكا (1948)، أو “الموجة الجديدة” في فرنسا ممثلة في The 400 Blows لفرانسوا تروفو (1959)، وBreathless لجان لوك جودار (1960)، ولكن بالمقابل هناك مدارس واتجاهات كاملة لا يمثلها فيلم واحد، منها المدرسة السوفيتية، و”دوجما 95″ وغيرها، وكذلك صناع أفلام كبار للغاية لا يوجد فيلم واحد لهم مثل بيرجمان وتاركوفسكي وكياروستامي وغيرهم.
هناك مخرجون قلائل جدا لهم أكثر من فيلم بالقائمة، على رأسهم هيتشكوك، بثلاثة أفلام: The 39 Steps، و Vertigo، وPsycho، وكذلك ديفيد لينش بفيلمين Blue Velvet، وMulholland Drive، وعدد قليل آخر.
من الملاحظات على استطلاع الـ”تايم” أنه كلما اقتربنا زمنياً من الحاضر تزداد غرابة اختيارات زاكاريك، وتصبح أكثر ذاتية وامتثالاً للأجندات السياسية والاجتماعية الرائجة، فمثلاً من العقد الثاني للألفية الثالثة اختارت ناقدة الـ”تايم”: Holy Motors، وUnder the Skin، وonly lovers left alive، وOnce Upon a Time… in Hollywood، وLittle Women، وThe Lost City of Z، وMoonlight،وI Am Not Your Negro، وSelma، وPhoenix، وبالطبع يمكن أن يختلف الكثيرون في أن هذه الأفلام العشرة هي أفضل ما قدمته السينما العالمية خلال العقد الماضي.
بعيداً عن الاختلاف والاتفاق، هذه قائمة تحمل عنوان “أفلام يجب أن تشاهدها”، أي أنها، بمعنى ما، تشريحات للمشاهدة للمتفرج الذي ربما لا يعلم الكثير عن هذه الأعمال، وبالتالي فإن صاحبة القائمة لا تدعي أنها الأفضل، وإنما ترى فقط أنها أعمال تستحق المشاهدة. ووفقاً لهذا المعيار فهي 100 فيلم تستحق بالفعل أن يراها أي محب ومهتم بالسينما.