روجر إيبرت
هوليوود، لا يوجد أحد يستطيع إخبارك بما يدور حوله فيلم مايكل أنجلو أنطونيوني الجديد، ولا حتى أنطونيوني نفسه. في صباح يوم سبت هادئ، يستلقي أنطونيوني على الأريكة ويتحدث عن عدم جدوى أي شيء.
ويقول: «لا أناقش أبدا الحبكات في فيلمي، ولا أنشر أبدًا ملخصًا لفيلمي قبل أن أبدأ التصوير. كيف يمكنني القيام بذلك؟ فحتى أن يتم تحرير الفيلم، لا يكون لدي أي فكرة عما سيكون عليه. وربما ليس حتى بعد ذلك. ربما سيكون فيلمًا تصويريًا فقط، أو بيان حول أسلوب الحياة. ربما لن يحتوي على حبكة على الإطلاق، بالمعنى المعروف لكلمة حبكة».
يتحدث أنطونيوني بهدوء، كأنه يحادث نفسه. استخدامه للغة الإنجليزية جيد وبقدر كبير من الدقة. ومع ذلك، يعطيك انطباعًا بأنه لا يحب الحديث عن فيلمه الجديد، لأنه لا يزال غير مكتمل في ذهنه. إنه يشبه البهلوان الذي يمكنه الاستمرار في رمي الكرات والتقاطها فقط طالما أنه لا يفكر فيما يفعله.
ثم يقول: «أنا أبتعد عن النص باستمرار، قد أصور مشاهد لم يكن لدي نية لتصويرها. فالأشياء تأتي من تلقاء نفسها إلى ذهني في موقع التصوير، ونحن نواكبها ونرتجل عن النص الأصلي. أحاول ألا أفكر في الأمر كثيرًا. ثم، في غرفة المونتاج، أستلم الفيلم وأبدأ في تجميع مقاطعه، وعندها فقط أبدأ في الحصول على فكرة عما يدور الفيلم حوله».
منذ سبتمبر الماضي، كان أنطونيوني يصور فيلم Zabriskie Point في موقع التصوير في منطقة وادي الموت «في شرق كاليفورنيا» وفي مدينة لوس أنجلوس، وهو أول فيلم له في أميركا. تبلورت الأفكار المبدئية له خلال رحلة طويلة قام بها أنطونيوني عبر الولايات المتحدة في عام 1967. تم ترتيب الرحلة من قبل ستوديو MGM «مترو غولدوين ماير»، وذلك لرغبتهم في تمويل فيلم أخر من أفلامه بعد النجاح الدولي الذي حققه فيلمه Blow-Up. سيكون فيلم «Zabriskie Point» نوعًا ما بيانًا عن الوقت الحالي في المجتمع الأميركي، مثلما كما كان فيلم Blow-Up يدور حول الأحوال في لندن في ستينيات القرن العشرين ومن مجموعة الأفلام السابقة «L’Avventura»، و«La Notte»، و«L’Eclisse»، التي تناقش المجتمع الإيطالي في أواخر خمسينيات القرن العشرين.
لكن ذلك شيء بسيط للغاية. فمن الواضح أن أنطونيوني لا يتعامل أبدًا مع الموضوعات الاجتماعية. على الأغلب أنه يستخدم شخصيتين أو ثلاث شخصيات فقط ويصور يومًا أو يومين من حياتهم. ويرتئي رسالته، أو تأتي من الجو العام لأفلامه. إنه لا يشير أبدًا إلى الأشياء، أو يعظ، أو يستخدم الخطب التعليمية. فأسلوبه بعيد كل البعد عن ستانلي كريمر من دون أن يخرج خارج نطاقه.
صرح أنطونيو في المقابلة: «أود أن أقول إن أفلامي سياسية، لكنها لا تتعلق بالسياسة، إنها سياسية بنهجها الخاص. إن لديها وجهة نظر محددة. وقد تكون سياسية في تأثيرها على الناس. على سبيل المثال، فيلم Blow-Up لم يكن يتعلق فقط بأسلوب حياة معين في لندن، ولكنه أعطى شعورًا بهذا. ومع ذلك، لا أريد أن أوضح هذا الشعور في كلمات… لقد سافرت عبر الولايات المتحدة ورأيت أشياء كثيرة. ثم عدت إلى روما ونظرت في ملاحظاتي وقررت تدريجيًا أن أصنع فيلمًا عن شابين أميركيين».
في أغسطس، قبل أن نبدأ التصوير مباشرة، ذهبت إلى شيكاغو لحضور المؤتمر الديمقراطي. وما رأيته هناك، طريقة تعامل الشرطة وروح الشباب، أثار إعجابي بعمق مثل أي شيء آخر رأيته في أميركا. إلى حدٍ ما تأثر فيلم «Zabriskie Point» بما حدث في شوارع شيكاغو. ليس بشكل مباشر، ولكنك ستشعر بذلك. فالفيلم ليس عن شيكاغو. لكن أفكاري عن الشباب الأميركيين تشكلت من خلال ما حدث في شيكاغو، وسيتم التعبير عن ذلك بطريقة ما في الفيلم».
فيلم «Zabriskie Point»، الذي يتبقى له حوالي أربعة أسابيع من التصوير، من بطولة اثنين مجهولين يمثلان للمرة الأولى: مارك فريشيت، البالغ من العمر21 عامًا، وداريا هالبرين، البالغة من العمر 20 عامًا. وستكون شخصياتهم في الفيلم مسمية على أسمائهم في الحقيقة. وجد أنطونيوني الآنسة هالبرين في جامعة بيركلي، حيث كانت طالبة تدرس اللغة الإنجليزية والأنثروبولوجيا.
بينما كان فريشيت رجل متزوج ولديه ابن يبلغ من العمر سنتين، يعمل نجارًا في بوسطن عندما رآه وكيل ستوديو مترو غولدوين ماير يقف في محطة للحافلات ويصرخ بغضب على شخص ما في نافذة الطابق الثاني. قد يستمر فريشيت بعد هذا الفيلم في مجال التمثيل، أو قد يعود إلى النجارة بعد الانتهاء منه. لقد شاهد فريشت العديد من أفلام أنطونيوني ولا يحبها ووصفها قائلًا: «لا يوجد أحداث في أفلامه. فقط مجرد الكثير من الناس الواقفين في نقطة واحدة من حياتهم».
وناقش أنطونيوني بعد ذلك قصة «Zabriskie Point» ويبدأ بالتحدث عن ممثليه الشابين. حيث يقول أنطونيو: «ما يحدث لهم في الفيلم ليس مهمًا، يمكنني أن أجعلهم يفعلون شيئًا واحدًا أو أكثر. يعتقد الناس أن الأحداث هي ما يدور حولها الفيلم. ولكن الحقيقة ليست كذلك».
«يدور الفيلم حول الشخصيات والتغييرات التي تحدث بداخلهم. والتجارب التي مروا بها خلال الفيلم هي ببساطة أشياء «تحدث بدون سبب» لشخصيات لا تبدأ وتنتهي بنهاية الفيلم».
في فيلم Blow-Up أهدر الكثير من الأشخاص طاقتهم محاولين تحديد ما إذا كانت هناك جريمة قتل أم لا، في حين أن الفيلم في الواقع لم يكن عن جريمة قتل، بل عن مصور. تلك الصور التي التقطها كانت ببساطة واحدة من الأشياء التي حدثت له، لكن العديد من الأشياء كان يمكن أن تحدث له: لقد كان شخصًا يعيش في ذلك العالم، ويمتلك تلك الشخصية، وسيكون الأمر نفسه مع فيلم Zabriskie Point. إنه عن مارك فريشيت وداريا هالبرين. هذا هو السبب في أنهم سيستخدمون أسمائهم الحقيقية في الفيلم. فأنا أصنع نوعًا ما فيلمًا عن الشباب في أميركا من خلال أخذ شابين أميركيين وصنع فيلم عنهما».
وفي مقابلة أخرى بعد وقت قصير من إصدار فيلم Blow-Up، صرح أنطونيوني أنه «يجب أن يصل الممثل إلى موقع التصوير في حالة من الصفاء الذهني. وأنا أيضًا يجب أن آتي في حالة من الصفاء الذهني. مجبرًا على عدم الإفراط في التفكير».
فعلى سبيل المثال ستملك انطباعًا أن أنطونيوني مسرورًا إلى حدٍ ما، من عدم حب مارك فريشيت لأفلامه، فسيجعل ذلك منه طينًا أسهل في التشكيل. يقول الأشخاص الذين يعملون في موقع التصوير بأن أنطونيوني نادرًا ما يشرح الأساس المنطقي للمشهد قبل تصويره. يتحدث فقط عن كيفية تصوير المشهد، ولكن لا يقول السبب. خلال ساعة الغداء، يذهب إلى مقطورته ويجلس بهدوء، كما يقولون، لا أحد ينضم إليه لتناول طعام الغداء، التي يقضيها في التفكر والتأمل.
ولكن في صباح يوم السبت هذا، اكتمل تصوير الأسبوع ويمكنه العودة للحظة إلى رؤية أوسع.
يقول أنطونيوني: «أعتقد أن موضوع معظم أفلامي هو الشعور بالوحدة… فغالبًا ما تكون شخصياتي منعزلة؛ يبحثون عن جماعاتٍ لتدعمهم، وعن علاقات شخصية تحتضنهم. لكن في أغلب الأحيان لا يجدون سوى القليل مما يبحثون عنه. إنهم يبحثون عن وطن يحتويهم».
«السؤال موجه لأنطونيوني» هل ترى أن البحث عن وطن ليحتويك هو موضوع جميع أفلامك؟
أجاب أنطونيوني: «نعم، أظن ذلك».
قال المحاور: «وهل تبحث أنت عن موطن تسكن إليه أيضًا؟»
قال أنطونيوني: «نعم. لا يوجد مكان في العالم أشعر فيه حقًا بأنني في وطني، ولا حتى روما. ومع ذلك يزداد شعوري بالغربة هنا في لوس أنجلوس. فهي مدينة لا يحبها أحد في البداية، ولكن بعد فترة يمكنك العثور على بعض الأماكن والأزقة الصغيرة في المدينة فتبدأ بالإعجاب بها».
«السؤال موجه لأنطونيوني» وهل تقع أحداث الفيلم في لوس أنجلوس وفي الصحراء؟
أجاب أنطونيوني: «نعم. الصحراء والمدينة. فهنا يمكن للناس الذهاب إلى الصحراء. إنها على بعد ساعة أو ساعتين فقط بالسيارة. ومع ذلك فهما مكانين مختلفين تمامًا. أنت هنا في لوس أنجلوس، ولكن هناك، يوجد فقط الصحراء، والصحراء عبارة عن لا شيء. إنها منطقة هائلة من لا شيء. ليس لدينا مساحات فارغة كهذه في أوروبا. ربما يصور لي وجود هذه المساحات الكبيرة القريبة جداً من المدينة شيئًا عن أميركا. كما ترى، هذه هي الطريقة التي أعمل بها، وأضع هذه الأشياء معًا وأرى النتيجة الموجودة. أحاول أن أكبس مشاعري حول موضوع فيلمي».
«عندما كنت أنتج فيلم Blow-Up، كان هناك الكثير من النقاش حول حقيقة أن لدي في فيلمي أحد الشوارع والمباني مرسومان. قال الناس إن أنطونيوني يرسم حتى العشب. في الغالب، يقوم جميع المخرجين برسم وترتيب أو تغيير الأشياء في موقع التصوير، وقد أدهشني أن الكثير قد تم صنعه في أفلامي».
ففي فيلم Zabriskie Point، قمت بإدراج بعض الرسم مرة أخرى مثل: المطار وبعض مستودعات الطائرات، وبعض الأشياء الأخرى. ووضعت بعض اللوحات الإعلانية في الحدائق الأمامية للمنازل عبر الشارع من ناحية المطار. ولكن ماذا عن ذلك؟ يجب أن يكون لدى المطارات لوحات إعلانية حولها. وهذا يعطيني فرصة للربح من الإعلانات الأميركية، المعروفة بأنها جذابة ومعبرة للغاية».
«فعندما أفعل شيئًا كهذا، لا يتعلق الأمر بجعل المشهد أكثر جاذبية للبصر، بل بضغط العديد من المشاهد حتى أظهر الكثير من الأشياء. ففي فيلم Blow-Up لم يكن هناك سوى القليل من المشاهد، ومع ذلك كان هناك العديد من الأشياء التي أردت إظهارها. لذلك من خلال رسم منزل أو طريق، تمكنت من ضغط العديد من المشاهد لإظهار المزيد في لقطات أقل».
«السؤال موجه لأنطونيوني» يسألك جميع المقابلين عن رسم ذلك المنزل، أو عن مشهد القتل في فيلم Blow-Up، بالرغم من أن كل هذه الأشياء واضحة. مع ذلك لا بد أنه هناك بعض الأسئلة التي تريد أن يتم طرحها عليك، ولا يأتي بها القائم بإجراء المقابلة أبداً. أليس هذا صحيحًا؟
قال أنطونيوني: «نعم، لكن كما ترى عندما تسألني تلك الأشياء، يصبح ذهني فارغًا»، ثم ابتسم قائلًا: «لا يمكنني التفكير في جواب.
لدي سؤال آخر واضح، إذًا. اسم فيلمك هو Zabriskie Point، وقد قلت إن هذا يشير إلى نتوء طبيعي في وادي الموت جذب انتباهك. هل من المفترض أن تكون نقطة زابريسكي «Zabriskie Point» مكانًا مركزيًا رمزًا من نوعٍ ما؟»
أجاب أنطونيوني: «لا أستطيع قول ذلك. فإنه في المركز، ولكنه مركز لا شيء …»
سؤال المحاور: «ما هو دور هذا المكان في الفيلم؟»
أجاب أنطونيوني: «لا أريد أن أقول. أو ربما لا أعرف».
المصدر: rogerebert