حوار: بلقيس الأنصاري
ترجمة: معز ماجد
«النجاح الذي لاقته أفلام سينما المؤلف ما هو إلا نتيجة الاهتمام الذي لاقته من الجمهور الفرنسي، الذي كانت له ذائقة سينمائية بعيدة عن الذائقة النمطية التجارية السائدة». آلان دوبارديو
المنتج السينمائي الفرنسي آلان دوبارديو Alain Depardieu، الذي ذكر بأنّ «الجزيرة العربية، أرض الشِّعر، التي ستخرج منها أفلام شِعرية مميزة للغاية»، أنتج عددًا من الأفلام الشِّعرية العالمية التي لاقت نجاحًا ورواجًا فنيًا وجماهيريًا، منها: فيلم «طعم الكرز 1997» للمخرج عباس كيارستمي، الحاصد السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي، والذي اعتبره معهد الفيلم البريطاني واحدًا من أفضل عشرة أفلام في تاريخ السينما. إلى جانب فيلم «البيانو 1993» للمخرجة جين كامبيون، الحاصد السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي، وفيلم «تحت الأرض 1995» للمخرج أمير كوستاريكا، الحاصد السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي. وبذلك حصد المنتج دوبارديو ثلاث سعفات ذهبية مرموقة مُقدَّمة من مهرجان كان السينمائي الدولي، بالإضافة إلى إنتاج عدد من أفلام سينما المؤلف بحدود 100 فيلم.
سعدنا بإجراءِ هذا الحوار معه..
تحدث بدايةً عن بداياته السينمائية، وذكر أنه درَس الهندسة المعمارية، ثمّ عمل بعد تخرّجه – لمدة عامين – في مجال المقاولات. لكن لشعوره الشديد بالملل كان على الدوام مقتنع بأنه في المجال الخطأ، إلى أن شاءت الصُدف أن يبدأ شقيقه الفنان الفرنسي جيرارد دوبارديو – المرشَّح للأوسكار عن دوره في فيلم «سيرانو دي برجراك 1990» للمخرج جان بول رابينيو، الذي اقتبسه بدوره عن رواية الفرنسي إدموند روستان – تصوير فيلمه الأوّل «Les Valseuses». ويقول عن ذلك: «حين زرته في موقع التصوير، أدركت على الفور أنّ السينما – بالتحديد صناعة الأفلام – هي المجال الذي أريد أن أعمل فيه؛ لذا بالفعل منذ ذلك الوقت – أيّ بداية السبعينيات – لم أنقطع البتَّة عن النشاط في الحقل السينمائي الفرنسي والعالمي».
ويضيف أنه كان محظوظًا جدًا بالتقاءِ عددٍ من عمالقة السينما الذين كان لهم الدور البارز في تشكيل مسيرته المهنية السينمائية لاحقًا، وهم: المخرج البولندي الفرنسي الكبير رومان بولانسكي، والمخرج الفرنسي الكبير روبير بريسون – المُلقب بالأبّ الروحي للسينما الفرنسية، حيث ذكر غودار مرة أنه «السينما الفرنسية»؛ وذلك لأنّ «المجال السينمائي معقد وصعب، ولكي تنجح فيه يجب أن تكون موهوبًا، لكن ذلك لا يكفي أبدًا؛ إذ عليك أن تكون محظوظًا أيضًا، بالإضافة إلى إيمانك الراسخ بكل ما تفعله»، بحسب قوله.
وهو ما قام به بدوره كمنتج سينمائي حين اكتشف ورعى المخرج الإيراني الكبير عباس كيارستامي من خلال إنتاج فيلمه الشهير «طعم الكرز»، إذ يقول: «في تلك الفترة – أقصد بذلك التسعينيات – كنت المدير الفني لإحدى أكبر مؤسسات الإنتاج الفرنسية. وبحكم عملي ومسؤوليتي لإيجاد مشاريع فنية متميزة، فإنني واكبت عددًا من المهرجانات السينمائية الصغيرة المتميزة من ناحية البرمجة. وشاءت الصدف – مرة أخرى – أن أحضر فعاليات مهرجان «أميان Amiens السينمائي»، في الشمال الفرنسي، وشاهدت فيلمًا بعنوان: «عبر الزياتين» لمخرجٍ إيراني مغمور – حينها – اسمه عباس كيارستمي؛ فأعجبت كثيرًا بعوالم ذلك المخرج وقررت إنتاج عمل له؛ لذا تعرَّفت عليه واتفقنا على العمل سويًا لإنتاج فيلمه التالي (طعم الكرز)، الذي حصد السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائي الدولي عام 1997».
وعن سِرّ نجاح السينما الإيرانية في فرنسا تحديدًا، يجيب دوبارديو بأنه يمكن تفسير النجاحات في السينما بطريقة موضوعية وعقلانية؛ هناك دائمًا أحداث تخرج عن المتوقع، لكن «يمكن القول إنه في فرنسا بصفة عامة، هناك تقاليد راسخة في إنتاج وتوزيع وعرض ما نسمّيه نحن الفرنسيون بـ«الأفلام الفنية التجريبية». وبناءً على ذلك، فإنّ الجمهور الفرنسي كوَّن ذائقة فنية خاصة تستحسن «سينما المؤلف»، أيّ الأفلام التي لها خطاب يخرج عن المنطق التجاري الطاغي في السينما العالمية؛ وهذا في نهاية الأمر مِن ميزات السينما الإيرانية كما نعرفها اليوم». ويرى أنّ هذا الأمر هو ما جعل عددًا من المنتجين الفرنسيين يراهنون – وهو واحد منهم – على السينما الإيرانية وينجحون في ترويجها.
ولأنّ الواقعية الشِّعرية الفرنسية لتاريخ سينما المؤلف، مستندة في التناول الإنساني للحياة، إلى الغريزتين السينمائيتين ما بين التذوّق الفني والانفلات الخيالي العاطفي؛ كان بروز ما يسمَّى بـ«الموجة الجديدة» في السينما الفرنسية – التي أخرجت للعيان أمثال: جان لوك غودار، وآنييس فاردا، وروبير بريسون – بمثابة الطفرة فيما يسمَّى بـ«سينما المؤلف» ليس في فرنسا فحسب، بل على مستوى السينما العالمية. ومن المهم القول إنّ «النجاح الذي لاقته هذه الأفلام ما هو إلا نتيجة الاهتمام الذي لاقته مِن طرف الجمهور الفرنسي، الذي كانت له ذائقة سينمائية بعيدة عن الذائقة النمطية التجارية السائدة. هذا النجاح الجماهيري هو الذي جعل هذا الصنف من الأفلام ينتشر ويجد منتجين يموّلونه؛ مما أثَّر في طريقة إنتاج الأفلام فيما بعد، حتى التجارية منها».
ويجدر القول إنّ الارتباط الجذري بين الشِّعر والسينما، ساهم في تشكيل النقد بحد ذاته للسينما الفنية؛ انطلاقًا من تجربة نقاد مجلة «كرَّاسات السينما» الذين طبَّقوا أفكارهم عمليًا فيما عُرف لاحقًا بـ«سينما المؤلّف»، حيث ذكر أنّ «روَّاد مجلة كراسات السينما، كانوا بمثابة المستكشفين لمساحاتٍ مجهولة في عالم السينما، ما مكَّنهم أن يكونوا سباقين للإسفار عن مواهب يلجأ لها المنتجون والمستثمرون في السينما للوصول إلى دُررٍ فنية صَنعت فيما بعد مجد جيل كامل من السينمائيين». وفي نهاية المطاف، هذا هو الدور المحوري الذي يلعبه النقد في مجال السينما ومنه يستمد مصداقيته ومكانته في المشهد السينمائي بصفة عامة.
ومؤكدًا أنّ عمل المنتج السينمائي الجيد لا يقتصر على المهرجانات الكبرى فحسب، بل على المهرجانات الصغرى أيضًا، وذكر أنّ دوره كمنتج يستند في اختياراته للعمل ما بين الفني والتجاري والأسلوب والموضوع، إلى ثلاثة معايير أساسية، وهي: «الموضوع أو الحكاية – بعبارةٍ أرقى السردية – والسيناريو، والحوار. أمَّا ما تبقى، فإنّ نجاح الفيلم رهين العلاقة وتوازن الرؤى ما بين المخرج وبقية الفريق».
فيما ذكر أنّ الدورة العاشرة لـ«مهرجان أفلام السعودية 2024»، كانت اكتشافًا مميزًا بالنسبة له، حيث يقول: «لقد أعجبت بالحرفيَّة في التنظيم والخيارات الفنية للبرمجة. ويختم المنتج السينمائي الفرنسي آلان دوبارديو حديثه بسعادته بحضوره إلى المملكة العربية السعودية، ومواكبته لهذا الظهور المُبهج للسينما السعودية، مُضيفًا أنه «في استعدادٍ لمعاضدة جهود الأصدقاء في المملكة بما يملكه من خبرةٍ وعلاقاتٍ في المجال السينمائي».