سلطان السعد القحطاني
إذا استطعت أن تردد هذه الجملة عشر مرات دون أن تتلعثم، فهذا يعني أنك وصلت إلى الطريق الصحيح لتفهم صعوبة المشوار الذي قطعه السينمائي السعودي، حتى يصل إلى المهرجان العالمي كان، بعد أن كانت السينما في بلاده تعد من المحظورات لعقود وعقود.
وفي هذه المدينة الساحرة، حيث الفن المعتقّ، وعبر درجات السلالم التي مشى عليها قبلاً عشرات من عظماء الشاشة الكبيرة، كان الوجود السعودي لافتًا، والاحتفاء العالمي يعكس التعطش لسماع قصص جديدة، عن البلاد التي كانت غائبة عن المشهد السينمائي فترة طويلة. بلا شك، فإن السعودية اليوم تحت محور الاهتمام العالمي، وأناس كثر يرغبون بمعرفة هذا الشعب وتاريخه، وهذه الطموحات وحالميها، وذلك التاريخ وصنّاعه، برواية بصرية، وقالب ممتع.
كان فيلم «نورة» مرحلة هامة بكل تأكيد، ليس من حيث الاحتفاء العالمي فحسب، بل على الصعيد الفني الدقيق للصناعة السينمائية، فقد نقل المخرج توفيق الزايدي الفيلم السعودي من فكرة فيلم اليوتيوب، والشاشة الصغيرة، ليصنع القصيدة وفق قواعد الوزن والقافية والإيقاع السينمائي، ليدخل الفيلم السعودي ذلك العالم الساحر المسحور، والكبير بمنافسيه، بطريقة احترافية متميزة.
ولعل التحدي القادم للصناعة السينمائية السعودية هو نقل الخريطة السعودية بكل تفاصيلها، وصناعة صورة ذهنية جديدة عن المملكة الطامحة في المستقبل، وذلك من خلال تبيان التنوع السعودي، ثقافيًا وجغرافيًا، فهي ليست مجرد صحراء وبدو، بل عالم متنوع واسع، تلتحم فيه الصحراء بالبحر بالجبل، وتتقاطع فيه الأمطار، مع الحرارة الشديدة، مع الثلج. إنها بلد واسع مترامي الأطراف، متنوع اللهجات، والمشارب. مملكة كل الفصول في ذات التوقيت.
لم تعد السينما ترفًا، أو مجرد ترفيه مؤقت، بل تكاد تكون راوية التاريخ بطريقة أخرى، وهذا ما جعل الاهتمام الحكومي السعودي بها غير مسبوق، من خلال دعم صانعي الأفلام، وكذلك من خلال المهرجانات الدولية، وخصوصا مهرجان البحر الأحمر الذي وضع بصمته العالمية بشكل غير مسبوق، وفي فترة قياسية، وكان الأثر الأهم هو فيلم «نورة»، وفي «كان» العظمى.
السينما درع ثقافي، وأهم مصادر القوة الناعمة، بل هي صانعة الانطباع الأول لأي شخص عن دولة بعينها، وما تصنعه كصورة ذهنية في عالم، بل المتلقي ومخيلته، يصعب محوها لسنين وسنين. ومن المعروف أن أهم مسعى للعمل الحكومي في كل مجال، هو رفع الجودة والذائقة، وهذا ما سيجعل التجارب اللاحقة في العمل السينمائي، تبذل جهدها في أن تعتلي سقف الإبداع المرحلي، متفوقة على سابقيها، وكل هذا بفضل الدعم الحكومي الكبير لقطاع الأفلام والسينما في السعودية.
رواية قصصنا للعالم مهمتنا المهمة، وهي ليست مهمة بسيطة، بل كبيرة بحجم أحلامنا، ومستقبلنا. فلنتحدث بالصوت والصورة، وسوف يسمع العالم ويرى.