ريما التويجـري
هل يجتاز الأستاذ اختباره؟
المعلم العظيم الذي أدى دوره صالح بكري وفاز عنه بأفضل ممثل في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، متجاوزًا العديد من الأسماء الكبرى المرشحة، لا شك بأنها مستحقة، حيث استعرض بكري شيئًا من قدراته باستحياء في فيلم الهدية القصير، لكنّي لم أصدق أنه ارتقى بقدراته حد العالمية. في رأيي وألتزم برأيي كلما شاهدت الفيلم أنه من الناس الذين تحّبهم الكاميرا ودائمًا تشهد أصدّق تعابيرهم. صالح بكري حمل الفيلم على أكتافه، وأتعطش لأدواره القادمة على المستوى الشرق أوسطي.
إبداع الخالق بحسن المخلوق!
الفيلم السينمائي حياة مختلقــة من المخرج، تتشكل من جزأين أساسيين: أحدهما العناصر المرئية وتشعب أوردتها كطرق لتوجيه الانتباه ضمن إطار التكوين السينمائي، من الحركة المعززة للشعور. وفي هذا، تكرر في الفيلم حدوث مشهد يحمل أحداثًا متصادمة، وبالتالي شعوران متناقضان، عندها راقبت الحركة والزوم وحجم الشيء وقربه، كيف ستتبدل في مشهد توليفي واحد؟ بسلاسة تامة في الانتقال، مما يترتب عليه الراحة البصرية، فمثل هذه التحديات لا تتم إلا بالمحاولة فالمحاولة ثم المحاولة، حتى الوصول لأنضج نتيجة ممكنة، إذ لا شيء يقتل الفيلم مثل استعجاله.
«يمكن لأشجار الزيتون أن تبقى على قيد الحياة في ظل الظروف القاسية».
من أهم العناصر المرئية «الموقع»، حتى إنه أكد علم الأنثروبولوجيا أن الإنسان ابن بيئته. إن المكان الذي سيظهر يختصر الكثير من المعلومات ليعتمد على الإدراكات، مثل نوعية الفيلم والشعور العام، ومن المهم أن يرتبط كجزء من الشخصية مثل السيارة، والملابس، بل أهم؛ ولهذا تشابهت صفات أشجار الزيتون بصفات باسم، ولهذا وضع الأخضر والكتب كهالة تحيط مجلسه، ولهذا بيت الأستاذ تحت في الواجهة وبيت التلميذ في نهاية أعلى الطريق، كل هذه تقدم معطيات مثل: الهدوء، المثابرة، الثقافة، الصبر، الوفاء… وما على ذلك.
«Your son worth a thousand of mine»
أما الجزء الأساسي الآخر، فيكمن في العناصر الروائية أو الدرامية. وأعلم أن هذه المرحلة الفارقة هي الأطول مدة نسبة لجميع مراحل إنتاجية الفيلم، وأكثر ما يسعني شكره والثناء عليه بالفيلم هو نضجه الملاحظ؛ إذ يوجد أفلام تخرج منه تشغلك عبارة، ويوجد أفلام تخرج منه ومعظم حواراتها تختم شكلها في الذهن، والتي تنوعت ما بين القصة المضحكة لأم باسل، إلى عمق الحوار الذي حدث مع والد الجندي المخطوف.
في النهاية، أُومِن أن الفيلم ممكن أن يقلب ويعيد ويغير ويوّحد، فكما يُقال: «ما يحس بالجمر غير واطيه.» لا شيء غيره يمكن أن يمد لك شعور حرارة الجمر إلا إن عشته واقعًا أو حلمًا أو فيلمًا.