صدر فيلم «Dersu Uzala»، وهو أول فيلم غير ياباني من إخراج وكتابة أكيرا كوروساوا، خلال نقطة حاسمة في مسيرة المخرج المهنية. الفيلم عبارة عن قصة ملحمية عن الصداقة وتدور أحداثها في المناطق النائية في سيبيريا.
ديرين فادينا
إنَّ سلسلة أفلام أكيرا كوروساوا التي حازت على إشادة النقاد بعد الحرب العالمية الثانية، بدءًا من من فيلم «Rashomon» لعام 1950 إلى فيلم «Yojimbo» لعام 1961، قد جعلت منه ظاهرة عالمية، لكن محاولة دخوله اللاحقة إلى صناعة السينما في هوليوود أواخر ستينيات القرن العشرين لم يكلَّل لها النجاح. وبعد خروجه غير المشرف من الإنتاج الأميركي الياباني لفيلم «Tora! Tora! Tora!» في عام 1970، وفشله التجاري في محاولته العودة بفيلم «Dodes’ka-den» في نفس العام، وصل المخرج إلى أدنى مستوى في حياته المهنية، وحاول الانتحار. إلا أنَّ كوروساوا تلقى دعوة من شركة الإنتاج السوفيتية «Mosfilm» تحثه على السفر إلى سيبيريا لإخراج فيلم «Dersu Uzala» الذي أُصدر عام 1975، والذي أدى نجاحه إلى إحياء حظوظ صانع الأفلام.
إنَّ «Dersu Uzala» عبارة عن فيلم مستوحى من مذكرات المستكشف الروسي فلاديمير أرسينييف خلال عام 1923 حول رحلته الاستكشافية إلى الحدود الروسية في أقصى الشرق ولقائه مع أحد الصيادين من سكان الناناي الأصليين باسم ديرسو أوزالا. يعمل القبطان أرسينييف ورفاقه على إجراء مسح طبوغرافي لسلسلة جبال سيخوت ألين عندما يصادفون ديرسو لأول مرة. وسرعان ما ينجذب القبطان أرسينييف إلى رجل القبيلة الحكيم وحسن الوجه ويلتمسه بأن يصبح دليل رحلتهم الاستكشافية. وتبينت براعة ديرسو ومهاراته كصياد التي لا تقدر بثمن بالنسبة للفرقة الاستكشافية، وينقذ ديرسو حياة القبطان أكثر من مرة في الفيلم.
يرافق ديرسو الرجال لعدة أشهر قبل أن تضطرهم الظروف إلى الانفصال. وتواصل الفرقة عمليات المسح بدونه، ويقضي أرسينييف، الذي ينتابه الحزن بسبب رحيل ديرسو، سنواته الخمس المقبلة آملاً بأن يصادف صديقه القديم. وفي النهاية، يجتمع الاثنان معًا، ويعود ديرسو مرة أخرى لاستكمال المهمة. ومع ذلك، يتبدل حال الصياد العجوز إلى الأسوأ، فبالرغم من براعته في إطلاق النار ببندقيته، إلا أن يفشل في إصابة نمر يهاجمه، وسرعان ما يتضح أن تقدمه في السن وضعف بصره سيعوقان قدرته على البقاء في البرية.
قد تبدو هذه الحكاية البسيطة والغامضة وكأنها تحفة في الأعمال الأدبية لصانع أفلام اشتهر بأعماله الدرامية المنمقة في فترة الساموراي «jidaigeki»، ولكن في الواقع كان لدى كوروساوا تقارب طويل الأمد مع الأدب الروسي. وكان مهووسًا منذ شبابه بأمثال الكتّاب نيكولاي غوغول وفيودور دوستويفسكي وليو تولستوي، وكان قد قام سابقًا بتكييف قصتين روسيتين في أفلام: مثل فيلم «The Idiot» في عام 1951، استنادًا إلى رواية دوستويفسكي بنفس العنوان، وفيلم «The Lower Depths» لعام 1957، المستوحى من مسرحية للكاتب المسرحي مكسيم غوركي. ويعبر كلا الفيلمين عن الأسلوب التأملي والوجودي لرواية القصص الروسية ويعتبران سابقة لبساطة السرد في فيلم «Dersu Uzala».
وبالنسبة لفيلم «The Idiot» وفيلم «The Lower Depths»، فاستبدل كوروساوا الأسماء والأماكن الروسية بالأسماء والأماكن اليابانية. وأما بالنسبة لفيلم «Dersu Uzala»، فلم يكن هناك حاجة لمثل هذا التبديل، حيث منحه الكرملين «مركز موسكو القديم» وصولًا غير مسبوق للتصوير في موقع التايغا السيبيرية، باستخدام فريق وطاقم روسي. وتم تجسيد شخصية ديرسو بواسطة الممثل السيبيري مكسيم مونزوك.
وبعيدًا عن إضفاء المصداقية على القصة، فإن الخصائص الثقافية والجغرافية المحددة للقصة ليست سهلة النقل إلى السياق الياباني كما هو الحال في القصتين الأخريين. وتروي هذه القصة صداقة غير متوقعة نشأت بين رجل أوروبي متعلم ومثقف ورجل آسيوي بدوي من السكان الأصليين خلال ظروف صعبة في المناطق النائية في سيبيريا. وعلى مدار الرحلة الاستكشافية التي استمرت خمس سنوات، خاض القبطان أرسينييف ورفاقه تجارب تغير المشاهد والفصول في هذه الأراضي غير المستكشفة. نراهم يكدحون من الصباح الباكر منذ طلوع الشمس إلى غروب الشمس ذو اللون الأحمر القاتم ويلجؤون للمأوى من الأمطار الغزيرة ويعبرون الأنهار الجارفة ويرتحلون عبر الغابات الكثيفة المغطاة بالثلوج.
في ذلك المشهد الذي لا يُنسى، تقطعت السبل بأرسينييف وديرسو، بعد أن ضلا عن بقية الفرقة ويجدان أنفسهما عالقين في منطقة مستنقعية مغطاة بالثلوج، حيث يتم تعزيز شعورهما بالعزلة من خلال لقطات واسعة جدًا تشبه أسلوب المخرج جون فورد في التصوير. وأثناء ذلك، تتعرض المنطقة المتجمد فجأة لعاصفة ثلجية، ويكافح الرجلان للبقاء على قيد الحياة ضد قوى الطبيعة الهائلة. هنا، على وجه الخصوص، يتمكن كوروساوا ببراعة من تجسيد حجم المنطقة الهائل وجمالها ورهبها المرعب.
من المغري افتراض أنَّ دعم الكرملين لكوروساوا كان يقصد به أن يكون عملًا من أعمال الحرب الباردة ضد الأميركيين الذين احتقروه. وقد اقترح أيضًا أن يحتوي الفيلم على دلالات معادية للصين «حيث كانت العلاقات بين الدولتين الشيوعيتين متوترة في وقت صنعه».
وسواء كانت خدعة سياسية أم لا، فإن الفيلم على الرغم من استقباله المتواضع في اليابان قد حقق أداءًا جيدًا على المستوى الدولي، حيث بيعت 20 مليون تذكرة في روسيا وحقق 1.2 مليون دولار في الولايات المتحدة وكندا. وفاز بجائزتين في مهرجان موسكو السينمائي الدولي، بالإضافة إلى جائزة الأوسكار في عام 1976 لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
كان فيلم «Dersu Uzala» بمثابة تجربة للتعافي بالنسبة لكوروساوا، وهو عمل يحمل في طياته الكثير من الحب الذي أعاد الحياة إلى المخرج المحبط. ومع هذا النجاح المفاجئ والدعم المقدم من هؤلاء المتبرعين أمثال جورج لوكاس وستيفن سبيلبرغ وفرانسيس فورد كوبولا، قام كوروساوا بإصدار إنتاجات أخرى فخمة مثل فيلم «Kagemusha» لعام 1980 وفيلم «Ran» لعام 1985 وفيلم «Dreams» لعام 1990 وانتقل بعدهم إلى المرحلة النهائية المظفرة من مسيرته المهنية.
المصدر: bfi.org.uk